الأسماء الملازمة للبناء: دليل للأنواع المختلفة (الضمائر، أسماء الشرط والاستفهام، الظروف، المركب المزجي، وفعالِ) وخصائص كل منها في النحو العربي

الأسماء الملازمة للبناء في اللغة العربية: دراسة مفصلة

في اللغة العربية، الأصل في الأسماء هو الإعراب، أي تغير حركتها الإعرابية بتغير موقعها في الجملة. ومع ذلك، هناك مجموعة من الأسماء التي تُلازم البناء، أي تُلزم حركة إعرابية واحدة لا تتغير، مهما كان موقعها في الجملة. هذا البناء يعود في الأساس إلى شبهها بالحروف في وظائفها أو هيئاتها أو دلالاتها، كما ذكرنا سابقًا. تتنوع هذه الأسماء المبنية لتشمل فئات مختلفة، كل منها له خصائصه وأسبابه في البناء.

دعنا نستعرض هذه الفئات بتوسع وتفصيل:


1. أنواع الأسماء التي تُلازم البناء بشكل عام:

تُعد الفئات التالية من أبرز الأسماء الملازمة للبناء في اللغة العربية:

  • الضمائر: بجميع أنواعها (متصلة ومنفصلة) مثل: "أنا، أنتَ، هو، هم، نا، تاء الفاعل" وغيرها. تُبنى لشبهها الوضعي بالحروف.
  • أسماء الإشارة: مثل: "هذا، هذه، هؤلاء، ذلك، أولئك" (باستثناء المثنى: هذان وهاتان). تُبنى لشبهها المعنوي بحرف الإشارة المقدر.
  • الأسماء الموصولة: مثل: "الذي، التي، الذين، اللاتي، من، ما" (باستثناء المثنى: اللذان واللتان). تُبنى لشبهها الافتقاري الملازم لصلة الموصول.
  • أسماء الشرط: مثل: "مَن، ما، متى، أين، كيف، أيّ" (إذا كانت شرطية). تُبنى لشبهها المعنوي بحرف الشرط "إن".
  • أسماء الاستفهام: مثل: "مَن، ما، متى، أين، كيف، أيّ" (إذا كانت استفهامية). تُبنى لشبهها المعنوي بحرف الاستفهام (الهمزة).
  • أسماء الكناية: وهي أسماء تُستخدم للكناية عن عدد أو صفة مبهمة، مثل "كم" الخبرية أو "كذا" أو "كأين". تُبنى لدلالتها على معنى الحرف.
  • أسماء الأفعال: مثل: "صه، آمين، هيهات، رويدك". تُبنى لشبهها الاستعمالي بالحرف العامل.
  • أسماء الأصوات: مثل: "غاق، بس، خخ". تُبنى لشبهها الاستعمالي بالحرف العاطل.

2. الظروف غير المتصرفة (الظروف المبنية):

الظروف في الأصل مُعربة، لكن بعضها يُلازم البناء ولا تتغير حركته الإعرابية. تُسمى هذه الظروف بـ**"الظروف غير المتصرفة"** لأنها لا تتصرف في مواقع إعرابية متعددة ولا تتغير حركتها.

من أبرز هذه الظروف المبنية:

  • لَدَى: ظرف مكان مبني على السكون، بمعنى "عند".
    • مثال: "وجدت الكتاب لَدَى زيد."
  • لَدُنْ: ظرف زمان أو مكان مبني على السكون، ويُفيد معنى "عند" مع بداية الشيء.
    • مثال: "رزقني الله رزقًا لَدُنْهُ." (أي من عنده).
  • الآنَ: ظرف زمان مبني على الفتح، يُفيد الحاضر.
    • مثال: "افعل ذلك الآنَ."
  • أمسِ: ظرف زمان مبني على الكسر، يُفيد اليوم الذي قبل يومك.
    • مثال: "زارني زيدٌ أمسِ." (يُبنى على الكسر إذا لم يُعرف بـ"أل" أو يُضاف).
  • قَطُّ: ظرف زمان مبني على الضم، يُستخدم للدلالة على استغراق الزمان الماضي (أي في أي وقت مضى). لا يُستخدم إلا في سياق النفي غالبًا.
    • مثال: "ما فعلتُه قطُّ." (أي لم أفعله في أي وقت مضى).
  • عَوْضُ: ظرف زمان مبني على الضم، يُستخدم للدلالة على استغراق الزمان المستقبل، وهو بمعنى "أبدًا". يُستخدم غالبًا في سياق النفي.
    • مثال: "لا أفعلهُ عوضُ." (أي لا أفعله أبدًا في المستقبل).

3. الظروف الملازمة للإضافة إلى الجملة:

بعض الظروف تُلازم البناء لأنها تفتقر دائمًا إلى جملة تُضاف إليها لتُكمل معناها وتُوضح المقصود منها. هذا الافتقار الدائم للجملة يُشبه افتقار الحرف لما بعده، فيُسبب لها البناء.

  • حيثُ: ظرف مكان مبني على الضم، يُلازم الإضافة إلى الجملة (فعلية أو اسمية).
    • مثال: "اجلس حيثُ يجلس العلماءُ."
    • ملاحظة: إذا جاء بعد "حيثُ" اسم مفرد مرفوع، فإنه يُعرب مبتدأ لخبر محذوف تقديره "موجود".
      • مثال: "لا تجلس إلا حيثُ العلمُ." (أي حيثُ العلمُ موجودٌ).
  • إذْ: ظرف زمان مبني على السكون، يُستخدم لما مضى من الزمان. يُلازم الإضافة إلى الجملة (فعلية أو اسمية).
    • مثال: "اذكروا إذْ كنتم قليلًا فكثّركم." (إذ مضافة لجملة اسمية).
    • مثال: "جئتك إذْ دخلتَ." (إذ مضافة لجملة فعلية).
  • إذا: ظرف زمان مبني على السكون، يُستخدم لما يُستقبل من الزمان. يُلازم الإضافة إلى الجملة الفعلية فقط، ولا تُضاف إلى الجملة الاسمية (مع أن بعض النحاة يجيزون ذلك بشروط).
    • مثال: "إذا جاء نصرُ الله والفتحُ." (مضافة لجملة فعلية).
  • مذْ ومُنذُ: يُمكن أن يُستخدما كظرفين أو كحرفي جر، ويتوقف إعرابهما على ما يليهما.
    • إذا جُعلا ظرفين (مبنيين على السكون أو الضم حسب النطق):
      • يدلان على ابتداء المدة: "ما رأيتك مذْ يومُ الجمعة." (أي ابتداءً من يوم الجمعة).
      • يدلان على جميع المدة: "ما رأيتك منذُ يومانِ." (أي طوال يومين).
      • الاسم بعدهما يكون مرفوعًا على أنه فاعل لفعل محذوف تقديره "كان".
        • التقدير في المثالين: "مذْ كان يومُ الجمعة"، و"منذُ كان يومانِ". (وهنا "كان" تامة وليست ناقصة، أي بمعنى "وُجِدَ").
    • إذا جَرَّا الاسم الذي يليهما: فإنهما يُصبحان حرفي جر، وليسا ظرفين.
      • مثال: "ما رأيتك مذِ اليومِ." (اليوم: اسم مجرور بمذ).

4. المركب المزجي:

المركب المزجي هو كلمتان امتزجتا حتى أصبحتا كالكلمة الواحدة، ودلتا على معنى واحد. بعض أنواع المركب المزجي تُلازم البناء.

المركب المزجي الذي تضمّن ثانيه معنى حرف العطف (أو كان على وزن الأعداد):

  • مثل: "أحدَ عَشَرَ" إلى "تسعةَ عَشَرَ" (باستثناء "اثني عشر").
  • البناء: تُبنى هذه الأعداد على فتح الجزءين.
  • مثال: "رأيتُ خمسةَ عشرَ رجلًا." ("خمسةَ عشرَ" مبني على فتح الجزأين في محل نصب مفعول به).
  • ملاحظة: لا يُخلّ حرف التعريف (الـ) أو الإضافة ببناء العدد المركب.
    • مثال: "الأحدَ عَشَرَ" (مبني على فتح الجزأين).
  • أمثلة أخرى تُبنى على فتح الجزءين (حيث تضمن الجزء الثاني معنى حرف العطف):
    • "وقعوا في حيصَ بيصَ." (اسم مبني على فتح الجزأين بمعنى اختلاط الأمر).
    • "هو جاري بيتَ بيتَ." (مبني على فتح الجزأين، بمعنى متلاصق).
    • "الأمرُ بينَ بينَ." (مبني على فتح الجزأين، بمعنى متوسط).
    • "آتيكَ صباحَ مساءَ." (مبني على فتح الجزأين، بمعنى في أي وقت).
    • "تفرّق العدوُّ شَذَرَ مَذَرَ." (مبني على فتح الجزأين، بمعنى متفرقين).


المركب المزجي المختوم بكلمة "وَيْه" (للعلمية):

  • مثل: "سيبَوَيهِ"، "نفطَوَيْهِ"، "خالَوَيْهِ".
  • البناء: تُبنى هذه الأسماء على الكسر في آخرها، بغض النظر عن موقعها الإعرابي.
  • مثال: "جاءَ سيبَوَيْهِ." (مبني على الكسر في محل رفع فاعل).
  • "مررتُ بـسيبَوَيْهِ." (مبني على الكسر في محل جر بحرف الجر).


المركب المزجي غير المتضمن معنى حرف العطف وغير المختوم بـ"ويه":

هذا النوع يُصنف ضمن الأعلام المركبة تركيبًا مزجيًا، ولكن له قاعدة بناء مختلفة:

  • جزؤه الأول: يُبنى على الفتح.
  • جزؤه الثاني: يكون معربًا إعراب ما لا ينصرف (يُرفع بالضمة، يُنصب ويُجر بالفتحة دون تنوين) للعلمية والتركيب المزجي.
  • أمثلة: "بعلَبكُّ (بعلَ: مبني على الفتح، بكّ: معرب ممنوع من الصرف)، حضرموتُ، بختنصرُ."
  • استثناء: إذا كان الجزء الثاني منتهيًا بياء، فإنه يُبنى على السكون.
    • مثال: "معدي كربْ." (معدي: مبني على الفتح، كرب: مبني على السكون).
  • ملاحظة: إذا ختم هذا النوع بـ"ويه" (وهو قليل)، فإن جزؤه الأول يُبنى على الفتح، والثاني على الكسر، كما في سيبويه (مثل: بعلَوَيهِ).

حالة خاصة: اثنا عشرَ / اثنتا عشرةَ:

هذا العدد المركب يُعد استثناءً في إعراب المركب المزجي:
    • جزؤه الأول ("اثنا" / "اثنتا"): يُعرب إعراب المثنى (بالألف رفعًا، وبالياء نصبًا وجرًا).
    • جزؤه الثاني ("عشرَ" / "عشرةَ"): يُبنى على الفتح دائمًا، ولا محل له من الإعراب، فهو بمنزلة النون المحذوفة من المثنى.
    • مثال: "جاءَ اثنا عشرَ رجلًا." ("اثنا" فاعل مرفوع بالألف، "عشرَ" جزء مبني على الفتح).
    • "رأيتُ اثني عشرَ رجلًا." ("اثني" مفعول به منصوب بالياء، "عشرَ" جزء مبني على الفتح).

5. ما كان على وزن "فَعَالِ" (للعلمية أو الشتم):

تُبنى الأسماء التي تأتي على وزن "فَعَالِ" (بكسر اللام). تُستخدم هذه الكلمات غالبًا كأعلام مؤنثة أو صيغ شتم مؤنثة.

  • كعلم لأنثى: مثل: "حَذامِ"، "رقاشِ".
  • كشتم لأنثى (مع النداء غالبًا): مثل: "يا خَبَاثِ" (بمعنى يا خبيثة)، "يا كَذَابِ" (بمعنى يا كاذبة).

سبب بنائها على الكسر:

  • التشبيه بأسماء الأفعال: تُبنى هذه الأسماء على الكسر تشبيهًا لها بأسماء الأفعال التي تأتي على نفس الوزن (فَعَالِ)، مثل: "نَزَالِ" (بمعنى انزلْ)، و"حَذَارِ" (بمعنى احذرْ).
  • الشبه في العدل (الاشتقاق): تُشبه هذه الأسماء أسماء الأفعال في العدل أو التحويل من صيغة أخرى.
    • فـ"خَبَاثِ" معدولة عن "خبيثة" (صفة مؤنثة).
    • و"كَذَابِ" معدولة عن "كاذبة" (صفة مؤنثة).
    • كما أن "نَزَالِ" معدولة عن "انزلْ" (فعل أمر).
    • و"حَذَارِ" معدولة عن "احذرْ" (فعل أمر).
  • ندرة الاستعمال: يُندر أن تُستعمل صيغة "فَعَالِ" في شتم الأنثى إلا إذا اقترنت بـحرف النداء "يا".

في الختام، تُظهر هذه التفصيلات الثراء والدقة في قواعد اللغة العربية، حيث تُصنف الأسماء المبنية بدقة بناءً على تشابهها مع الحروف في جوانب متعددة، مما يُسهم في تنظيم البنية النحوية للغة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال