شرح وتحليل: عَفَتِ الدِّيَار مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا + بِمِنىً تَأَبَّد غَوْلُهَا فَرِجَامُها



عَفَتِ الدِّيَار مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا + بِمِنىً تَأَبَّد غَوْلُهَا فَرِجَامُها


الشرح:

عفا لازم ومتعد، يقال: عفت الريح المنزل وعفا المنزل نفسه عَفْوًا وَعُفُوًّا وعفاء، وهو في البيت لازم.
الْمَحلّ من الديار: ما حل فيه لأيام معدودة.
والمقام منها: ما طالت الإقامة به.
منى: موضع بحمى ضرية غير منى الحرم، ومنى ينصرف ولا ينصرف ويذكر ويؤنث.
تأبد: توحش، وكذلك أبِد يأبَدُ ويأبُدُ أبودًا.
الغول والرجام: جبلان معروفان.
ومنه قول أوس بن حجر: [البسيط]:
زعمتم أن غولًا والرجام لكم + ومنعجًا فاذكروا الأمر مشترك

معاني البيت:

يقول: عفت ديار الأحباب وانمحت منازلهم ما كان منها للحلول دون الإقامة وما كان منها للإقامة، وهذه الديار كانت بالموضع المسمى منى، وقد توحشت الديار الغولية، والديار الرجامية منها لارتحال قطانها واحتمال سكانها، والكناية في غولها ورجامها راجعة إلى الديار، قوله: تأبد غولها، أي: ديار غولها وديار رجامها، فحذف المضاف.

التحليل:

هذه الأبيات هي من معلقة لبيد بن ربيعة، وهي من أشهر المعلقات العشر. في هذه الأبيات، يصف لبيد بن ربيعة حالة الخراب والهجر التي أصابت الديار التي كان يسكنها الأحبة.
يقول لبيد في الشطر الأول: "عَفَتِ الدِّيَار مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا" أي أن الديار التي كان يسكنها الأحبة قد هجرها أهلها، فأصبحت خالية من الأنس والحياة. وقد استخدم لبيد الفعل "عَفَت" للدلالة على خلو الديار من أهلها، واستخدامه للكلمة "محل" للدلالة على المكان الذي كان يسكنه الأحبة، واستخدامه للكلمة "مقام" للدلالة على المكان الذي كانوا يقيمونه.
ويقول في الشطر الثاني: "بِمِنىً تَأَبَّد غَوْلُهَا فَرِجَامُها" أي أن الديار التي كانت في منى، وهي مكان الحج، قد أصبحت خالية من الناس، وكأن الغول قد تملكها، فأصبحت مكانًا مهجورًا. وقد استخدم لبيد الفعل "تَأَبَّد" للدلالة على استقرار الغول في الديار، واستخدامه للكلمة "غول" للدلالة على الجن أو الشيطان، واستخدامه للكلمة "فرجام" للدلالة على الحجارة التي ترمى بها الشياطين.
وفي هذه الأبيات، يعبر لبيد بن ربيعة عن حزنه على فراق الأحبة، وشعوره بالوحدة والوحشة بعد رحيلهم. كما يعبر عن مشاعر الحنين إلى الماضي الجميل، الذي كان يجمعه بهم.

الأسلوب:

يتميز أسلوب لبيد بن ربيعة في هذه الأبيات بالبلاغة والفصاحة. فقد استخدم لبيد في هذه الأبيات مجموعة من الأساليب البلاغية، منها:
  • الاستعارة: في البيت الثاني، استخدم لبيد الاستعارة المكنية في قوله "تَأَبَّد غَوْلُهَا"، حيث شبه الديار التي أصبحت خالية من الناس بالغول الذي استقر فيها.
  • الكناية: في البيت الأول، استخدم لبيد الكناية في قوله "عَفَتِ الدِّيَار مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا"، حيث شبه الديار التي أصبحت خالية من الناس بالإنسان الذي مات، فأصبحت داره خالية من الأنس والحياة.
  • الطباق: في البيت الأول، استخدم لبيد الطباق في قوله "مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا"، حيث عكس بين كلمتي "محل" و"مقام"، للدلالة على خلو الديار من أهلها.
  • المبالغة: في البيت الثاني، استخدم لبيد المبالغة في قوله "تَأَبَّد غَوْلُهَا فَرِجَامُها"، حيث شبه الديار التي أصبحت خالية من الناس بالغول الذي استقر فيها، وكأن الغول قد تملكها.

الخاتمة:

تعد هذه الأبيات من أجمل الأبيات في الشعر العربي، حيث تعبر عن مشاعر الحزن والفراق والوحدة التي يشعر بها الإنسان بعد فراق الأحبة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق