النص القراني (تقنيات المعلومات) للدكتور مصطفى حجازي



لم يصبح العالم كوكبيا إلا بفضل التقدم الهائل الذي أبرزته تقنيات المعلومات والإعلام والاتصال. فهذا الثالوث هو الذي أتاح تغطية غلاف الكرة الأرضية بشبكة من الضبط والتوجيه والتبادل الإلكتروني التي يطلق عليها اسم الفضاء السيبرنطيقي، أي الفضاء الموجه إلكترونيا، والذي يسمح بتجاوز حدود المكان والزمان ويجعل العالم كله حاضرا هنا الآن على مدار الساعة، على صعيد تبادل المعلومات والتفاعلات والعمليات والمقايضات، وتغطية أخبار الكرة الأرضية في مختلف نواحيها من خلال القنوات الفضائية.

هذه التقنيات تتكامل فيما بينها، فالهاتف يفسح المجال أمام الحاسوب كي يخرج من عزلته ويمد نشاطه إلى مختلف أرجاء الأرض من خلال الألياف الضوئية، والأقمار الاصطناعية، وبالمقابل، فالحاسوب هو الذي سمح بتطوير نظم الاتصالات، وزيادة طاقاتها وفاعليتها بشكل مذهل، وليس أدل على ذلك من انتشار قواعد المعلومات وتوسعها، وعلى رأسها الأنترنت بكل ما تحمله من إمكانات غير مسبوقة في تاريخ البشرية في التواصل والتفاعل والتبادل عن بعد، وهو ما سيغير طبيعة حياة العمل والأسرة، والصحة، والتعليم، والتبادلات الاقتصادية، والإعلان تغييرا جذريا.

تقنية المعلومات والاتصالات هذه، وما أتاحته من فيض القنوات الفضائية التي تبث آلاف البرامج على مدار الساعة، وتربط البشرية بعضها ببعض من خلال جهاز التلفزيون، ما زالت في بدايات تطورها. نهايات هذا التطور مفتوحة، لا يدري أحد إلى أين يمكن أن تصل، وأي نوع من التحولات الحياتية يمكن أن تحمل معها. فمن المعروف أن كل جيل من هذه التقنيات يكاد يصبح متقادما منذ نزوله إلى السوق، لأن هذه التقنية تنمو على شكل طفرات قصيرة العمر، ويذهب تطورها ليس فقط في اتجاه فاعلية التقنية، بل كذلك بالانخفاض المستمر في كلفة أصولها وتشغيلها، مما يتيح المزيد من انتشارها، ويخرجها من النخبوية إلى العمومية.

تمثل الأنترنيت نموذجا جيدا لهذه الطفرات التقنية، فلسنوات خلت كان الوصول إليها نخبويا تماما، وها هي بصدد أن تعم جميع مدارس الدول المتقدمة، والعديد من الدول النامية، وهي مؤهلة لأن تصبح مثل شبكات الكهرباء من حيث تغطيتها للحيز المكاني، والوصول إلى كل بيت ومرفق. فأي تحولات في نوعية الحياة سيحملها هذا التطور التقني؟

الدكتور مصطفى حجازي، مجلة العلوم الإنسانية (جامعة البحرين) العدد الثاني (1999)، ص: 21 – 22 (بتصرف).