ولد زكريا تامر في دمشق (1931) ترك المدرسة، وعمره ثلاثة عشر عاما، ليشتغل في مهن يدوية عديدة، لكن المهنة الأساسية التي كان يحبها، ويعود إليها باستمرار: هي الحدادة.
بدأ بكتابة القصة القصيرة عام (1957) وهو ما يزال يعمل في المطرقة والسندان، وقد اضطر إلى ترك عمله عام (1960) بسبب ظروف اقتصادية مرت بها البلاد، حيث عمت البطالة وأغلقت أكثر المعامل، وقد ظهرت له أول مجموعة قصصية في ذلك العام "صهيل الجواد الأبيض" تلنها مجموعة "ربيع الرماد" (1963) و "الرعد" (1972) و "دمشق الحرائق" (1973) و "النمور في اليوم العاشر" (1978) و "نداء نوح" (1994).
بدأ يكتب القصة الموجهة للأطفال منذ عام (1968) "لماذا سكت النهر؟" تضم أكثر من خمسين أقصوصة، ثم أصدر "قالت الوردة للسنونو" و "بلاد الأرانب" و "يوم بلا مدرسة".
توظف في عام (1960) في وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وفي عام (1963) أصبح مسؤولا في مجلة "الموقف العربي" الأسبوعية، وفي عام (1965) عمل في مديرية النصوص في تلفزيون جدة بالمملكة العربية السعودية، كما عمل في عام (1966) في مراقبة الكتب في وزارة الإعلام السورية، ثم مديرا للنصوص في التلفزيون العربي السوري، بعد ذلك تفرغ للعمل في اتحاد الكتاب العرب، الذي كان أحد مؤسسيه، ورأس تحرير دوريته الشهرية "الموقف الأدبي".
وقد عمل أيضا رئيسا لتحرير مجلتي "أسامة" للأطفال، و "المعرفة" الصادرتين عن وزارة الثقافة السورية، وهو الآن يعمل في الصحافة الثقافية في لندن.
ترجمت أعماله القصصية إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبلغارية والروسية والألمانية.
منذ تفتح وعيه الأدبي آلمه ما يكتب الأدباء العرب عن بلادهم من أدب سطحي لا يمت إلى أبناء شعبه بصلة، لذلك كانت كتاباته نوعا من التصحيح لما كان يكتب، إذ لمس كذب هؤلاء الأدباء في كل ما كتبوه عن الأحياء الشعبية، وعن معاناة الشعب العامل، فأصدر أول قصصه وهو ما يزال عاملا في المعمل (1956).
وهكذا استطاع أن يقدم لنا عبر قصصه عالما يتسم بالجدة والأصالة، وإن كنا قد لاحظنا تأثره في مجموعته الأولى "صهيل الجواد الأبيض" بالفكر الوجودي، فإن هذه الملاحظة لا تشمل أعماله القصصية اللاحقة، التي بدأت تقدم لنا صوتا خاصا بات رائدا للقصاصين العرب.
لعل من أهم مميزات قصصه أنها تفيض بطاقة شعرية مدهشة في كثافتها، الأمر الذي لم تعرفه الأقصوصة العربية من قبل، وكما يقول صبري حافظ "كانت أعمال زكريا تامر هي البداية الحقيقية للصوت الجديد وللرؤى الجديدة التي أطلت على أفق الأقصوصة العربية معه، ثم اتسعت رقعتها على أيدي جيل الستينيات في مصر والعراق من بعده، لأنه استطاع_ بعد منتصف الستينيات بقليل_ أن يتلمس إطلالات الحساسية الممزقة، وهي تتخلق تحت قشرة الحساسية القديمة السائدة، وأن يستوعب ملامح هذه الحساسية الوليدة في وعاء فني يتواءم معها وينطوي في الوقت نفسه على تمزقاتها التي تعبر عن مرحلة تاريخية وحضارية من حياة أمتنا العربية"
زكريا تامر هو شاعر القصة العربية القصيرة بلا نزاع، وفنانها الأول. شق لنفسه منذ بداياته الباكرة قبل أربعين عامًا طريقًا فريدة في القص، ولا يزال يواصل الحفر فيها حتى الآن. عالمه القصصي الخصيب عالم غض جميل لا يضاهي الواقع برغم أنه مصُوغ من مفرداته، ولا يحاكيه بالرغم من أنه يكشف لنا قوانينه الداخلية العميقة. وهو قصاص تفيض أقاصيصه شعرية كثيفة لم تعرفها الأقصوصة العربية من قبل، ويتميز بالجدة والأصالة والتفرد.
كانت أعمال زكريا تامر هي البداية الحقيقية للصوت الجديد، وللرؤى الجديدة التي أطلت على أفق الأقصوصة العربية معه، ثم اتسعت رقعتها على أيدي جيل الستينيات في مصر والعراق من بعده. لكن زكريا تامر لم يستنم إلى دعة إنجازاته الأولى تلك، وهي إنجازات رائدة بأي معيار من المعايير، ولكنه آثر مواصلة اكتشاف الأصقاع المجهولة، وارتياد المناطق البكر والمحرمة. وزكريا قصاص يعكف على قصصه بروح صائغ ينكبّ على جواهره ويجلوها بدأب وأناة.
مجموعاته الثماني توسع أفق هذا العالم الخصيب الذي اتسم بالتفرد والجمال الوحشي منذ مجموعته الأولى، وتزيده غنى وكثافةً وتعقيدًا، وتؤكد مفارقته لعالم الواقع ومرافقته الحميمة له في آن، وترهف وعينا بما ينطوي عليه هذا العالم الكابوسي المبهظ والمترع بالجمال معًا من عمق وصرامة.
بحث زكريا تامر منذ بداياته الباكرة عن لغة قصصية جديدة، وعن مفردات سردية لم يتناولها كاتب قبله. فقد استطاع - بعد منتصف الخمسينيات بقليل - أن يتلمس إطلالات الحساسية الأدبية الجديدة، أو بالأحرى الحساسية الممزقة ذات الطبيعة الحداثية، وأن يستوعب ملامح هذه الحساسية الوليدة في وعاء فني يتواءم معها.
قدم الكاتب في مجموعاته القصصية عصارة موهبته وخبرته على صعيدي الفن والحياة. وزاوج فيها بين الحس المأساوي والبعد الأسطوري للحدث الواحد، وقد غمرها في سيل من التهكم الشفيف، وخلص القصة فيها من كل تزيد غير ضروري، ومن كل جزئية لا توحي بعدد كبير من الدلالات، حتى بدا للبعض أن زكريا تامر، وهو يخلص أقاصيصه من الزيادات، قد خلصها أيضًا من الطابع القومي في أغلب الأحيان، ومن الطابع القصصي في بعضها.
لكن من يتأمل قصصه بقدر من العمق يدرك أنه لا يتحدث فيها عن إنسان مجرد، وإنما عن الإنسان العربي، الدمشقي غالبًا، وهو يعاني من الفقر المادي والمعنوي، وتعذبه أشواق مؤرقة إلى عالم نظيف وهادئ ومليء بالمنطق والعدالة.
التسميات
نثر عربي حديث