موقف علي رضي الله عنه من حادثة الإفك.. يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا. لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك



موقف علي رضي الله عنه من حادثة الإفك:

ورد حديث الإفك الذي اتهم فيه المنافقون عائشة رضي الله عنها به، أن رسول الله (ص) استدعى عليًا وأسامة واستشارهما في فراق أهله، لما كثر القول وأقلق النبي (ص)، واستلبث الوحي.

فأما أسامة، فأشار عليه بالذي يعلم من براءتها، فقال: يا رسول الله أهلك، ولا نعلم إلا خيرًا، وأما على بن أبى طالب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك([1])، قالت: فدعا رسول الله (ص) بريرة فقال: أي بَريَرة هل رأيت من شيء يَريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا أغمصه([2]) عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن([3]) فتأكله، فقام رسول الله، فاستعذر([4]) يومئذ من عبد الله بن أُبى ابن سلَول قالت: فقال رسول الله (ص) وهو على المنبر: فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً([5])، ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي([6]).

إن الكلام الذي قاله علىّ إنما حمله عليه ترجيح جانب النبي (ص)، لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل. وكان شديد الغيرة، فرأى على رضي الله عنه في بادئ الأمر أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن تتحقق براءتها، فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما([7]).

وقال النووي: رأى على أن ذلك هو المصلحة في حق النبي (ص)، واعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه، فبذل جهده في النصيحة، لإرادة راحة خاطره (ص)([8]).

كما أن عليا رضي الله عنه لم ينل عائشة - رضي الله عنها- بأدنى كلمة يفهم منها أنه عرَّض بأخلاقها، أو تناولها بسوء([9])، بل كان رأيه خيرًا لها، فهو يقول إن أردت أن ترتاح من المشكلة فإن غيرها كثير، وإن أردت الوصول للحقيقة، فاسأل الجارية توصلك إليها، وهي براءة عائشة، ثم بعد ذلك خطب رسول الله الناس وبين براءة عائشة، وخطورة من يخوض في عرضه ظلمًا وزورًا، وقد بدت نصيحة على وأسامة بن زيد معًا إيجابيتين، وفي صالح عائشة رضي الله عنها، فقد ازداد النبي (ص) قناعة بما علم من خير في أهله([10]).

وعلى القارئ الكريم أن يحذر من الروايات الباطلة ساقطة الاعتبار التي تزعم بإساءة على إلى عائشة في أمر الإفك، والتي بنى عليها بعض الباحثين بأن ذلك جعل عائشة تغضب من على رضي الله عنه وتحقد عليه وتتهمه زورًا بقتل عثمان، وتخرج عليه مؤلبة عليه الأعداد الهائلة من المسلمين([11]).

ومن أمثال هؤلاء الباحثين، على إبراهيم حسن في التاريخ الإسلامي العام، وطه حسين في كتابه: علي وبنوه([12]), وغيرهم، سوف نتحدث عن العلاقة المتينة بين أم المؤمنين عائشة وعلي - بإذن الله - عند حديثنا عن موقعة الجمل، لقد كانت قصة الإفك حلقة من سلسلة فنون الإيذاء والمحن التي لقيها رسول الله (ص) من أعداء الدين.

وكان من لطف الله تعالى بنبيه وبالمؤمنين أن كشف الله زيفها وبطلانها، وسجل التاريخ بروايات صحيحة مواقف المؤمنين من هذه الفرية، وهي مواقف يتأسى بها المؤمنون عندما تعرض لهم في حياتهم مثل هذه الفرية، فقد انقطع الوحي، وبقيت الدروس لتكون عبرة وعظة للأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها([13]).

([1]) البخاري رقم 4750.
([2]) أغمصه: أي أعيبها به وأطعن بها عليه.
([3]) الداجن: هى الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.
([4]) فاستعذر: أي قال: من يقوم بعذري إن عاقبته على سوء صنيعه.
([5]) هو صفوان بن المعطل السلمى.
([6]) البخاري رقم 4750.
([7]) دور المرأة السياسي أسماء محمد زيادة: ص(462).
([8]) صحيح مسلم بشرح النووي (5/634).
([9]) دور المرأة السياسي: ص(462).
([10]) المصدر نفسه: ص(463).
([11]) من أراد التوسع في حادثة الإفك فليراجع السيرة النبوية للصَّلاَّبي (2/926).
([12]) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد فقيهي: ص (54).
([13]) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: ص (440).


0 تعليقات:

إرسال تعليق