التمييز بين الثورة والانقلاب من حيث المصدر والهدف.. مصدر الحركة الثورية والهيئة أو الجهة التي قامت بتلك الحركة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها



التمييز بين الثورة والانقلاب من حيث المصدر والهدف:

يميز الفقه الدستوري بين مصطلحي الثورة Révolution و الانقلاب Coup d'état على أساس معيارين: أحدهما يعتمد على مصدر الحركة الثورية، والآخر يعتمد على الهدف الذي ابتغاه مصدر الحركة، وتفصيل ذلك هو الآتي:

أولاً- معيار المصدر:

يرى بعض رجال الفقه أو الفكر أن مرجع التفرقة بين الثورة والانقلاب يكمن في مصدر الحركة الثورية، أي في الهيئة أو الجهة التي قامت بتلك الحركة.
وبناء عليه، فإن الحركة الثورية تعد "ثورة" إذا كان القائم بها هو الشعب، وتعد "انقلاباً" إذا كان القائم بها إحدى الهيئات صاحبة الحكم أو السلطان، كنائب الرئيس أو رئيس الوزراء أو أحد الوزراء أو قائد الجيش.. الخ، وبعبارة أخرى، فإن الانقلاب هو إجراء تغيير في شؤون الحكم أحدثه بعض ذوي السلطان في غير إتباعٍ لأحكام الدستور.

وحاصل القول أن الحركة الثورية تسمى "ثورة" إذا كانت صادرة عن الشعب ونابعة منه، وتسمى " انقلاباً " إذا كانت صادرة عن فئة معينة غير شعبية (هيئة حاكمة أو جزء منها، أو مجموعة من الفئات ممن هم في السلطة، أو ممن كانوا فيها سابقاً).
ولاشك أن الوقوف عند هذا المعيار للتفرقة بين الثورة والانقلاب، يؤدي إلى خلطٍ من الناحية العملية بينهما، لأنه ما من ثورة تكون حركة شعبية بحتة.
فغالباً ما تستخدم الثورة في حركتها بعض عناصر الحكم السابق، كما أنه ما من انقلاب، ولو كان عسكرياً بحتاً، يمكن أن يستمر طويلاً إذا لم يستند إلى تأييد شعبي يدعمه، ولهذا فقد اتجه التفكير نحو التمييز بين الثورة والانقلاب على أساس آخر هو "معيار الهدف".

ثانياً- معيار الهدف:

يرى بعض الفقه الدستوري  وبحق  أن مرجع التفرقة بين الثورة والانقلاب لا يجب البحث عنه في مصدر الحركة الثورية، وإنما يجب البحث عنه في "الأهداف" التي تسعى إلى تحقيقها تلك الحركة.
فإذا كان الهدف من هذه الحركة الثورية تغيير النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد في الدولة، وإحلال نظام جديد محله غدت الحركة "ثورة"، ولهذا يعرف البعض الثورة بأنها «حركة شعبية تستند إلى مجموع الشعب، أو إلى غالبيته، وتعتمد على قوتها، لتهدم بها النظام القائم من جذوره، وتبني نظاماً جديداً على أسس جديدة»، أو هي «حركة اجتماعية مفاجئة تتحقق بقوة الشعب من غير مراعاة الأشكال القانونية القائمة، تستهدف إقامة نظام قانوني محل نظام قانوني آخر».

أما إذا كان الهدف من هذه الحركة هو مجرد إسقاط الحكومة القائمة وتغيير رجال الحكم، دون إحداث أي تغيير في النظام القانوني السائد في الدولة، غدت هذه الحركة "انقلاباً".
ولهذا يعرف البعض الانقلاب بأنه «حركة تهدف إلى تغيير رجال الحكم، أي أنها في جوهرها صراع على السلطة، ومحاولة للاستئثار بالحكم، يكون الجيش عادة أداتها الرئيسية».

وتبعاً لذلك، فإن الثورة تهدف إلى صالح الجماعة بأسرها، أما الانقلاب فيهدف إلى صالح الفرد أو الفئة التي قامت به عن طريق الاستيلاء على السلطة بطريق غير شرعي، والحقيقة أنه إذا كان يترتب على الثورة أو الانقلاب من حيث الواقع  الاستيلاء على السلطة، فإن هذا الاستيلاء يعد في نظر القائمين بالثورة وسيلةً لتحقيق غاية وهي إحداث تغييرات جذرية شاملة في بنية النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي المطبق في الدولة، دون أن تعتبر الثورة هدفاً أو غاية في حد ذاتها، بينما يعتبر الاستيلاء على السلطة في نظر منفذي الانقلاب هدفاً وغاية لذاتها.
وفي الختام لابد لنا من الإشارة إلى أن الثورة رغم ما يوجد بينها وبين الانقلاب من اختلافات، إلا أن هناك شيء واحد يجمع بينهما، وهو قيام كل منهما على تجاهل الإطار القانوني القائم، وإحداث تغييرات في الأوضاع السياسية أو الدستورية لا تسمح بإحداثها النصوص الدستورية المعمول بها، أي أن كلاهما يتم خارج نطاق الشَّرعيَّة القائمة. 


0 تعليقات:

إرسال تعليق