السلطة التأسيسية الأصلية.. وضع دستور عند نشوء أو ولادة دولة جديدة أو نيل الاستقلال أو قيام اتحاد فيدرالي بين دول مستقلة أو تجزئة الدولة وتقسيمها أو انهيار النظام القانوني الموجود في الدولة



السلطة التأسيسية الأصلية
Le pouvoir constituant originaire
وهي السلطة التي تقوم بمهمة وضع دستور جديد للدولة.

وتوصف هذه السلطة بأنها "أصلية" originaire باعتبارها لا تستند عند قيامها بعملها إلى نصوص دستورية قائمة تحدد تشكيلها واختصاصها، وإنما فقط إلى كونها صاحبة السيادة في المجتمع.

ولذلك فهي تتدخل في وقت لا يوجد في الدولة نصوص قانونية تبين نظام الحكم في الدولة، أي في وقت تتعرض فيه الدولة لفراغ دستوري vide constitutionnel، فتعمل هذه السلطة على سد هذا الفراغ الدستوري بوضع مثل هذه النصوص في دستور الدولة الجديد.

وتتعرض الدولة لهذا الفراغ الدستوري في ثلاث حالات هي الآتية:

- الحالة الأولى:
عند نشوء أو ولادة دولة جديدة la naissance d'un nouvel Était، ومن جانبنا، فإننا نعتقد أن ولادة دولة جديدة يمكن أن تحدث في إحدى الحالات الآتية:

1- الحرب La guerre، فمن الممكن أن نتصور ولادة دول متكاملة الأركان إثر نشوب حرب، ومثال ذلك ولادة يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الأولى.

2- نيل الاستقلال L'accession à l'indépendance، أي حصول إقليم مستعمَر أو جزء من إمبراطورية على استقلاله وتكوين دولة ناشئة، كما هو حال العديد من الدول التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي والبريطاني ثم حصلت على استقلالها بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، كالهند وباكستان وبعض الدول العربية والإفريقية.

3- قيام اتحاد فيدرالي بين دول مستقلة La fédération des Etats indépendants، كما حدث عند قيام دولة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787، والجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر عام 1958.

4- تجزئة الدولة وتقسيمها Le démembrement d'un Etat، كما هو حال العديد من الدول التي نشأت بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي، وكذلك أيضاً حال الجمهورية العربية المتحدة بعد الانفصال الذي وقع بين سورية ومصر نتيجة الانقلاب العسكري الذي وقع في 28 أيلول سنة 1961.

- الحالة الثانية:
انهيار النظام القانوني الموجود في الدولة Le droit vide juridique créé، وذلك عند حدوث تغيير في النظام القائم في هذه الدولة، وهو ما يعرف بـ " تغيير النظام " Le changement d'un régime، ويمكن أن نتصور حدوث مثل هذا الانهيار القانوني أو ذاك التغيير في النظام القائم في الدولة,في حالتين اثنتين هما:

1- الثورة والانقلابات العسكرية La révolution et les coups d'Etat، وذلك كما حدث في إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وكما حدث في سورية بعد قيام ثورة الثامن من آذار سنة 1963 وتولي حزب البعث زمام السلطة السياسية في البلاد.

2- الحرب La guerre، وذلك كما حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي لها إثر حرب الخليج الثانية، حيث انهار النظام القانوني المطبق في الدولة برمته إثر عملية التغيير التي طالت النظام القائم آنذاك، فحدث فراغ وفوضى لا مثيل لها، لذلك ونظراً للحاجة الماسة لوضع دستور جديد للبلاد، صدر الدستور العراقي الدائم لسنة 2005.

- الحالة الثالثة:
عندما يحدث تغيير سياسي في الدولة، وتظهر الرغبة في إحلال دستور جديد محل الدستور القائم الذي لم يعد متلائماً مع الظروف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية السائدة في الدولة، وهو ما يعرف بـ "تغيير المرحلة" Le changement d'un étape، كما حدث مؤخراً في بعض دول الخليج العربي، كدولة قطر مثلاً، حيث حل الدستور الدائم الذي أصدره أمير البلاد في الثامن من شهر يونيو/حزيران سنة 2004 محل النظام الأساسي المؤقت المعدل المعمول به في الدولة منذ عام 1972.

وهكذا فبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً تحت مظلة النظام الأساسي المؤقت المعدل الذي لم يعد يتناسب مع معطيات العصر، أصبح هناك دستور دائم للبلاد (مبني على واقع الانتماء الخليجي والعربي والإسلامي، وعلى التقاليد العربية الأصيلة ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف) يرسي الدعائم الأساسية للمجتمع، ويجسد المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، ويضمن الحقوق والحريات لأبناء الوطن، وأصبح هناك أيضاً مجلس للشورى يتولى سلطة التشريع، ويقر الموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على السلطة التنفيذية.

ويجمع الفقه الدستوري على أن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع بصلاحيات مطلقة inconditionnée في مجال إعداد التشريع الدستوري الجديد، فهي تستطيع أن تهجر نظام الحكم الملكي وتتبنى النظام الجمهوري، أو العكس.

كما تستطيع أن تتبنى الصورة التي تحلو لها من صور الديمقراطية كنظام للحكم، فتستطيع أن تعدل عن نظام الديمقراطية غير المباشرة (النيابية) إلى نظام الديمقراطية شبه المباشرة.

وتستطيع أن تستبدل النظام البرلماني بالنظام الرئاسي، أو العكس، وبإمكانها أن تأخذ بالأيديولوجية السياسية والاقتصادية التي تروق لها، فتتبنى النظام الليبرالي الحر، وتهجر سياسة التدخل والحماية، أي تأخذ بالرأسمالية بدلاً من الاشتراكية، أو العكس.

وباختصار شديد، فإن هذه السلطة تتمتع بحرية مطلقة في اعتناق ما تراه مناسباً وملائماً لظروف الدولة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق