دراسة وتحليل خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي لأهل العراق.. تسهيل الخطبة. التعريف بنفسه. سياسة العنف. العراق شعب الضلال والكفر والفتن



دراسة وتحليل خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي لأهل العراق:


نص الخطبة:

قال عبد الملك بن عمير: بينا نحن جلوس في المسجد الأعظم بالكوفة إذا أتانا آت فقال: هذا الحجاج بن يوسف، قد قدم أميراً على العراق فاشرأب نحوه الناس، وأفرجوا له إفراجة عن صحن المسجد، فإذا نحن به يتبهنس في مشيته، عليه عمامة خز حمراء، منتكباً قوساً عربية، يؤم المنبر، فما زلت أرمقه ببصري حتى صعد المنبر، فجلس عليه، وما يحدر اللثام عن وجهه، وأهل الكوفة حينئذ لهم حال حسنة، وهيئة جميلة، وعز ومتعة، يدخل الرجل منهم المسجد ومعه عشرة أو عشرون من مواليه، عليهم الخزور والفوهية، وفي المسجد رجل يقال له: عمير بن ضابئ البرجمي، فقال: لمحمد بن عمر التميمي، هل لك أن أحصبه؟ قال: لا حتى أسمع كلامه، فقال: لعن الله بني أمية! يستعملون علينا مثل هذا، ولقد ضيع العراق حين يكون مثل هذا أميراً عليه، والله لو كان هذا كله كلاماً ما كان شيئاً، والحجاج ينظر يمنة ويسرة، حتى غص المسجد بأهله، فقال: يا أهل العراق! إني لا أعرف قدر اجتماعكم إلا اجتمعتم، قال رجل: نعم- أصلحك الله- فسكت هنيهة لا يتكلم، فقالوا: ما يمنعه من الكلام إلا العي والحصر، فقام فحدر لثامه، وقال: يا أهل العراق! أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود.
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني، أما و الله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مسكا، فوجهني إليكم، ورماكم بي.

يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن الغي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟.

يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله.

ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار". اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال: "يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة."

المناسبة:

من المعروف عن العراق أنه لا يخضع لحاكم خارج العراق، وفي عصر بني أميّة كانت العراق مصدر إزعاج السلطة لأن أغلب سكانها كانوا من الشيعة ولذلك كان على الخليفة أن يختار شخصا لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلبه فعيّن الحجاج لكن أهل العراق سخروا من هذا التعيين واعتقدوا أن الحجاج أعرابي لا يعرف شيئا في السياسة وعلم الحجاج بذلك وتوجه إلى العراق متلثمًا ووصل المسجد في الكوفة ومن على المنبر ألقى هذه الخطبة معرّفًا بنفسه ومستخدمًا سياسة التهديد والوعيد، فإذا كانت كلمات الخطبة بهذه القسوة والشدة فكيف الأفعال التي تدل عليها؟

تسهيل الخطبة:

بدأ الحجاج بالتعريف عن نفسه فهو القادر على كشف الأمور وتخطي الصعوبات ثم أكد انه سيقتل عددا منهم وها هو يتخيل الدماء تسيل ما بين الرؤوس والأعناق وحتى لا يظن انه فقط يقول ولا يفعل فإنه أكد انه ليس كما يظنون فهو صاحب الخبرة والقائد المحنك وهو شديد جدًا ولا فائدة من تجربته لأنه لا ينوي إلا وفعل ولا يُقدر إلا وقطع وسيستخدم معهم سياسة البطش كضرب السلمة أو ضرب غرائب الإبل (وهي الجمال التي تخرج من مجموعتها وتدخل في مجموعة أخرى وهذه الجمال لا تخرج إلا بالضرب الشديد) ثم يؤكد لهم انه لا تنفع معهم إلا سياسة الشدة والبطش فهم كأهل مكة التي كان الله تعالى يرزقهم، لكنهم كفروا وهكذا هو وضع أهل العراق كان الخليفة يعاملهم بالحسنى لكنهم لم يقدروا ذلك ولذلك سيصيبهم ما أصاب أهل مكة ثم يقول لهم قد أن هذا الذي أقوله مجرد كلام لكنني اقسم لكم إني ألحق أقوالي بالأفعال وإذا نويت قمت بما نويت وسأوزع عليكم
ما يلزمكم من رواتب المعركة ضد الخوارج وإذا تخلّف أحدكم سأقطع عنقه.

تحليل الخطبة:

تشمل الخطبة على المضامين التالية:

1- التعريف بنفسه:

إن أهل العراق اعتقدوا أن الحجاج بدوي لا دراية له في أمور السياسة والحكم لذلك استهتروا بقدومه خاصةً أنهم هزموا أقوى الجيوش لذا كان على الحجاج أن يعرفهم بنفسه ويؤكد لهم انه قادر على تخطي كل الصعاب وانه رجل لا يعرف قلبه الرحمة ويحب إراقة الدماء, ولذلك يجب عدم تجربته لان ذلك سيؤدي إلى حفظ الأرواح أما التجربة فستؤدي إلى الموت.

2- سياسة العنف:

بيّن الحجاج منذ البداية انه سيتبع معهم سياسة الدم واللحم وسيعاقبهم عقابا شديدا على أقل فعل وأنه إذا قال فعل وإذا خطط نفذ.

3- سبب اختياره:

يقول الحجاج إن الخليفة بحث عن أشد الناس وأكثرهم قسوة ليختاره وليًّا على العراق فلم يجد أقسى من الحجاج ولذلك اختاره بهذه المهمة لأن العراق شعب الضلال والكفر والفتن.

4- بيّن الحجاج لأهل العراق انه لا مفر من طاعته:

ولذلك عليهم محاربة الخوارج وكل من تخلّف تُضرب عنقه.
- إن الحجاج على الرغم من ظلمه وقسوته كان مطلعا وعالما في القران الكريم لذلك استخدم في النص آية قرآنية وذلك بهدف التشبيه بين أهل الكوفة الذين عاشوا في نعمة الأمير (الخليفة) لكنهم لم يقدروا هذه النعمة لذلك حذرهم الحجاج من أن عقابهم سيكون كعقاب الله سبحانه وتعالى كتلك القرية التي كفرت بنعمة الله.
أما الآية فهي " كأهل قرية .... بما كانوا يصنعون" - إن الله يمنح النعمة للإنسان فإذا قدّر وشكر زاده الله, أما إذا لم يقدّر وكفر عذبه الله.

- ظهر أمير المؤمنين في موضعين، وهما:
  • حين فتّش عن قائد لا يعرف الرحمة لكي يتمكن السيطرة على الثروة في الكوفة وأهمية هذا الذكر هو إظهار الحزم الذي سينتهجه الحجاج في معاملة أهل الكوفة.
  • ظهر في نهاية النص حين رغّب الناس في محاربة عدوه من خلال منح الرواتب والتجهيزات.


0 تعليقات:

إرسال تعليق