المنهج الحواري.. دراسة تعدّد الأصوات في الكلمة الأدبية وتعدّد سجلاّت التعبير عن الأصوات التي تؤلف الثقافة الاجتماعية. التمييز بين النوعين الديالوجي والمونولوجي



ما هو المنهج الحواري؟

المنهج الحواري هو منهج ينهض على دراسة تعدّد الأصوات في الكلمة الأدبية.
وهو مشتقّ من أعمال ميخائيل باختين و تلاميذه، إذ هذا يرى العالم أنّ الجنس الروائي جنس حواري بالضرورة، ولا يعني بالحوارية تعدّد الأصوات النصيّة فحسب بل يعني كذلك تعدّد سجلاّت التعبير عن الأصوات التي تؤلّف الثقافة الاجتماعية.

التناص:

فالكلمة الأدبية في الجنس السردي عموما كلمة غيرية تسكنها أصوات قديمة ويعاد سبكها ونسجها وفق عمليات إبداعبة مختلفة مثل المحاكاة الساخرة وتقليد الأسلوب والقلب والتضخيم وغيرها من الآليات التي تعرف بالتناصّ.
فحين نعود إلى مراجع من قبيل المبدأ الحواري لتزفيتان طودوروف والتناصّ عند مايكل ريفاتار وجوليا كريستيفا، ومفهوم النصّ والكتابة عند رولان بارت، نتبيّن  أن الأجناس الأدبية لا تنمو ولا تتطوّر إلاّ إذا انفتحت على بعضها بعض.

الكتابة الحوارية:

بل إنّ الجنس الأدبي لا يمكن أن ينغلق على بنيته اللغوية، فهو ضرب من الكتابة الحوارية، أي الكتابة التي تحيلُ على أنظمة من النصوص اللغوية وغير اللغوية: النصوص اللغوية من جهة انفتاح النصّ على السجلات التعبير ذات البعد الاجتماعي والمهني والإيديولوجي وغيرها، والنصوص غير اللغوية من جهة انفتاح النصّ على كافة الأصوات الثقافية وسجلات التعبير الفنّي من رسم وموسيقى ومعمار وغيرها.

الشعر جنس مونولوجي:

واستوحى الدارسون العرب رأي ميخائيل باختين الذي مؤدّاه أنّ الكلمة الأدبيّة مسكونة بالكلمة الغيرية و أنّ الشعر جنس مونولوجيٌّ، بخلاف الرواية، فهي بمقتضى ما توفّره من إحالة على مرجعٍ اجتماعي أو نفسي، ينهض على حوارية الكلمة وتعدّد الأصوات  بالضرورة.
وفعلا فإنّ باختين  لم ينظر إلى اللغة الطبيعية نظرة ساكنة أو مثالية  مغلقة، ولم ينظر إليها نظرة بنيوية، بل عدّها جزءا من تاريخ الثقافة فهي عنده قيمة حوارية تسكنها تجربة الإنسان و تقاليده الفكرية والثقافية.

الديالوج والمونولوج:

وقد ميّز ميخائيل باختين كتابة النوع الديالوجي من النوع المونولوجي.

الأسلوب المونولوجي:

أمّا النوع المونولوجي فهو الذي يسيطر فيه الكاتب على الشخصية القصصية  فلا يفسح لها المجال كي تعبّر عن فكرتها، أي التي لا يترك لها الراوي ومن ورائه الكاتب أن تعبّر عن صوتها، فإذا أسند الكلمة إلى شخصية معلّم أو موظف أو سائق قطار..، أو أيّة  شخصية اجتماعية أخرى لا يترك لها  فرصة أن تتكلّم بلغة الثقافة التي تنتمي إليها بخصائص تفكير تلك الشخصية أو أن تستعمل معجم المهنة التي تمتهنها تلك الشخصية بل ينطقها بلغته.

الأسلوب الديالوجي:

أمّا الأسلوب الديالوجي فهو بخلاف الأسلوب المونولوجي  يحمل بنى لغوية خلافية و تضمّن فيه الملفوظات الكلمة الغيرية بالضرورة ويعبّر عن الدور التداولي الذي تضطلع به الشخصية في مجتمعها و ضمن سائر الأصوات الاجتماعية.
فالشخصية الديالوجية هي الصوت المعبّر عن الحوار الاجتماعي الحقيقي، ويكون كلام تلك الشخصية وأسلوبها في التفاعل الحواري  منفتحا على نصوص أخرى (نصوص عالمة و نصوص اجتماعية غير عالمة) ويكون العالم الروائي في النوع الديالوجي نسيجا من صدى الأصوات المحيطة بالرواية.