شهادة الخلو من الأمراض المعدية.. وسيلة لضمان سلامة المرأة وصحتها من أي مرض أو أي عدوى قد تصيبها من لدن زوجها



شهادة الخلو من الأمراض المعدية:

لما صدرت مدونة الأحوال الشخصية، فإنها لم تكن تلزم الخطيبين بتقديم شهادة طبية قبل الزواج[1]، غير أنه وبمقتضى  التعديل الذي أدخله ظهير 10 شتنبر 1993 على الفصل 41 منها، لم يعد بإمكان العدلين تولي العقد إلا بعد إدلاء كل من الخاطب والمخطوبة بشهادة طبية تثبت الخلو من الأمراض المعدية.

المواقف من شهادة الخلو من الأمراض المعدية:

ورغم أن هذا التعديل كان من بين مطالب  بعض الفقه المغربي، فإنه أثار ردود فعل متباينة بين مؤيدين ومعارضين.

ضمان سلامة المرأة وصحتها:

ذلك أن المؤيدين يرون في هذه الشهادة وسيلة لضمان سلامة المرأة وصحتها من أي مرض أو أي عدوى قد تصيبها من لدن زوجها، ولقطع دابر الأمراض المعدية التي يمكن أن تؤثر على مصير العلاقة الزوجية بين طرفيها[2]، ويؤكدون على وجوب التعامل مع هذا الإجراء  بتشدد وصرامة.

عرقلة في طريق الزواج:

بينما يرى المعارضون في هذه الشهادة تكليفا بما فيه عسر ومشقة من شأنه أن يشكل عرقلة في طريق الزواج، بل تكليفا بمستحيل، على اعتبار أنه لا يمكن الإقرار من خلال الفحص السريري أو المخبري أن الشخص لا يعاني من أي مرض معد، وهو حكم غريب على مستوى حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، يقيم تفرقة بين المرضى بأمراض معدية وبين بقية الأفراد.

إشكاليات حول شهادة الخلو من الأمراض المعدية:

وإذا كنت أعتقد بأهمية وفائدة اشتراط هذه الشهادة لما في ذلك من تطبيق للقواعد العامة للشريعة ونصوصها الخاصة الناهية عن الضرر والإضرار ومن حماية لصحة أفراد المجتمع من أخطار الأمراض المعدية، على اعتبار أن الوقاية خير من العلاج، فإن الصيغة المقتضبة التي جاء بها هذا التعديل تثير مجموعة من الاشكاليات على مستوى إنشاء هذه الشهادة [2] في غياب  مرسوم تطبيقي.

أمراض معدية غير محددة:

إذ فضلا على أن المشرع لم يحدد الجهة المختصة بإنشائها أمام المشكل الذي يثيره التوزيع الجغرافي للأطباء والمستشفيات والمختبرات المؤهلة للقيام بالتحاليل اللازمة، فإن الإشكال الرئيسي يتمثل في أن هذا المشرع لم يحدد أيضا الأمراض المعدية التي يجب على الطبيب أن يتأكد من خلو الخطيب أو المخطوبة منها، كما لم يحدد الحد الأدنى من الفحوص والتحليلات التي يجب أن يخضع لها المعني بالأمر قبل أن يقوم الطبيب بإنشاء الشهادة المطلوبة.

ذلك أنه إذا كان من المفروض تفسير عدم التحديد هذا بأنه يعني اشتراط الخلو من جميع الأمراض المعدية، فإن هذا التفسير يجعل إنشاء مثل هذه الشهادة مستحيلا علميا، فضلا عن كونه يقود إلى نتائج غير مقبولة  عقلا، إذ أعتقد جازما بأنه من غير المعقول رفض إنشاء هذه الشهادة الضرورية لتولي العدلين عقد الزواج لمجرد أن الخطيب مصاب بالزكام الذي هو على بساطته مرض معد بكل تأكيد.

نموذج الشهادة الطبية قبل الزواج:

لذلك فقد صدرت بتاريخ 14 دجنبر 1993 دورية مشتركة رقم 46 لوزارتي العدل والصحة والهيئة الوطنية للأطباء تحدد نموذج الشهادة الطبية قبل الزواج بحيث ينبغي أن تتضمن هذه الشهادة اسم الدكتور الذي حررها ووقعها، والذي يشهد فيها بأنه قد تبين له بعد الفحص السريري للمعني بالأمر، بطلب منه، أنه لا تظهر عليه علامة لمرض معد، وقد سلمت له هذه الشهادة  للإدلاء بها قصد الزواج.

كما صدر منشور عن وزير العدل تحت عدد 1098 بتاريخ 17 يناير 1994 ينص على أنه "في انتظار صدور نصوص تطبيقية تتعلق بالفقرة السابعة من الفصل 41 من المدونة يستحسن التعامل في الوقت الراهن بنوع من المرونة بشأن الشهادة الطبية المسلمة قصد الزواج، وذلك بإمكانية قبولها إذا تضمنت  أن المعني بالأمر لا تظهر عليه بعد الفحص السريري علامات لمرض معد".

مضامين شهادة الخلو من الأمراض المعدية:

وإذا كنا نستنتج من المنشور والدورية المذكورين أنه يكفي لإنشاء شهادة الخلو من الأمراض المعدية أن تتضمن بالإضافة إلى البيانات العامة التي تناولناها في المبحث الأول، بيانا جوهريا وحيدا هو شهادة محررها بأنه قد تبين له بعد الفحص السريري أن المعني بالأمر لا تظهر عليه علامة لمرض معد، فإن الاكتفاء بالفحص السريري دون اللجوء إلى التحاليل المخبرية يفرغ هذه الشهادة من محتواها، لأن المعروف أن مجموعة من الأمراض المعدية لا يمكن اكتشافها بفحص سريري وهي لا تظهر إلا عند الخضوع للفحوص المخبرية.

فحص طبي عام:

لذلك فإنه يتعين إخضاع الراغب في الزواج من أجل الحصول على هذه الشهادة لفحص طبي عام، وتحديد فصيلة الدم، والكشف عن داء فقدان المناعة المكتسبة، وفحص مصلي لداء الزهري ، والتهاب الكبد  صنف ب و ج، إضافة للفحوص  الخاصة بالحميرات وداء المقوسات بالنسبة للنساء.

[1]- وذلك رغم أن الأستاذ علال الفاسي الذي يعتبر أحد أعضاء  اللجنة التي عينت بموجب ظهير 19 غشت 1957 لتهيء المشروع الأولي لهذه المدونة  كان يرى أن من: "الإصلاحات الاجتماعية التي يجب الاهتمام بها العناية بسلامة  المتزوجين من الأمراض المعدية أو التي لا تقبل الشفاء، ومعنى هذا أنه يجب فرض الإدلاء  بشهادة طبية تؤكد ذلك  قبل إبرام العقد" علال الفاسي، النقد الذاتي، بيروت، القاهرة، بغداد، 1966، ص: 283.

أما بالنسبة لليهود المغاربة فإن الشهادة الطبية السابقة على الزواج كانت إجبارية بالنسبة لهم منذ فاتح دجنبر 1950، لكنها كانت تقتصر على الحالة الصحية للرئتين. عبد المجيد خداد، رسالة سابقة، ص: 1.

[2]- إضافة إلى مجموعة من الإشكاليات التي لا ترتبط بالإنشاء نذكر منها:
- عدم تحديد مدة صلاحية هذه الشهادة.
- عدم تحديد مصير الخطيب إذا تبين للطبيب أن به مرض معد مانع من إنشاء هذه الشهادة.
- عدم بيان الجزاء الذي يخضع له العدلان إذا توليا عقد الزواج بدون تقديم هذه الشهادة.
- عدم بيان مصير عقد الزواج الذي تولى العدلان توثيقه بدون هذه الشهادة.
- عدم بيان مسؤولية الزوج عن نقل المرض المعد بعد توثيق العقد دون تقديم هذه الشهادة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق