الفئة المتدنية من الشيوخ بالسنغال.. جل متعاطي السيمياء عاطلون عن العمل الإنتاجي لا يساهمون إلا في تقهقر البلاد اجتماعيا واقتصاديا وفكريا



إذا كان تعاطي الطلاسم وعلم الأسرار غير مشروع فإنَّ هناك فئة متدنِّية تمتهنه وتتعيش عليه، وتركن إلى الاستكانة والكسل وتتظاهر بالتقوى والزهد، وتقوم بتدبير الحيل للاستيلاء على أموال النّاس بالباطل.

وينعدم عند هذه الفئة أدنى استعداد عقلي أو روحي، فحياتها في ذلك المستوى المتدني أبعدتها عن النخوة والطموح، فضلاً عن كون سلعتها تافهة وهي عبارة عن خواتم موضوعة تنسخ نسخاً وتتم كتابتها بعد مواصفات خاصة: ورق أبيض، لوح مصنوع من خشب كذا، قلم كذا من عروق شجر معين...  ويشبه بعض وصفاتها وصفات الرواحيين؛ بل قد تستعين بهم والتعاويذ - عند المؤمنين بها - تضمن الحماية، سواء ضد الأشخاص والحيوانات أو ضد الأشياء.

كان إبرا ديغين IBRA DEGUENE بصفته مسلماً حقًّا، يقتبس من القرآن آيات، ثم ينسخها على صفحات قرطاس، ويخيطه بنفسه، ثم يعطيه الأطفال؛ وأحياناً، يغطس القرطاس في قصعة ماء، فيشربه، ويغتسل به.

وأمام بعض الحالات الخاصة، تغلب غريزة المحافظة على كل اعتبار، فيستعين بالتقاليد الوثنية المنتسبة إلى عالم "تيدو" وتتكون أحجبة هؤلاء من "القداس" الذي يوجهونه إلى عفاريت الخلاء والجان، ولهم أساليب خاصة بهم، وهي لا تخطئ: رقية كذا، وذبيحة كذا،...

وكان "إبرا IBRA " لدى عجز الطلاسم، يلتمس خفية مساعدتهم، وكانت تمائمهم عبارة عن قرن كبش مخيط في ثوب ذي لون قرمزي، مع عقد من حبّات الودع.. يعلق كل ذلك على مدخل منزل العائلة لأمنها، ومن أعمالهم: تعليق جرس صغير على عنق الكبش الضخم الذي يملكه "إبرا IBRA " وذلك لحمايته.

وكانت التمائم التي تحملها ثيان THIAN حول خاصرتها مخيطة في جلد أسد، وهو عمل وثني.
وكان الوثنيون يملكون أنواعاً من جلود الحيوان: من جلد النمر إلى جلد الفهد، ومن جلد الضبع إلى جلد الثعلب، ومن جلد الوعل إلى جلد الفيل.

على أنه في بداية اتصال ضعاف القلوب بأصحاب الأحجبة، يطلب منهم استطلاع خفايا المعضلات، وعندما يتم ذلك يدخل الطرفان في مساومة حول الأجر (المقابل المادي)، ولكشف ثنايا المستقبل والغيب، يستعين متعاطو هذا العمل بالرمل، وهو عبارة عن خطوط مركّبة من النقاط تحلل وتقرأ ثم تفسّر بعدّ النقط.

وجدير بالإشارة أن كتباً عربية مطبوعة في مصر وتونس والمغرب تستخدم لهذا الغرض، أشهرها: قرعة الأنبياء، وهو كتاب يحتوي على أبواب كثيرة يحمل كل باب منها اسم نبي من أنبياء الله.

ويتم استعماله على النحو التالي: تقرأ الفاتحة ثلاث مرّات، ثم تغمض العينان بعد فتح الكتاب، وتحط الوسطى على إحدى الخانات، وتكون هي السهم، ومن ثمة تقرأ الباب؛ ويوجد في الأبواب أهم ما يشغل بال العامة: إن كنت تسأل عن زواج فشأنه كيت وكيت، وإن كنت تستفسر عن مشروع سفر فأمره كذا وكذا.. وهكذا دواليك...

وفوق هذه الممارسات تعتبر هذه الفئة ذات صلات وثيقة بعالم الأرواح والأشباح؛ تتعارك مع الجان والعفاريت وتطارد مصاصي الدماء وتنزع من مخالبهم الفرائس، وتتدخل لإخصاب الأرض وجلب الأرزاق وإكثار النسل والوقاية من الحساد وحماية المجرمين والحيلولة دون دخولهم في غياهب السجون حتى لو اقترفوا أكبر الجرائم، ويدّعي بائعو الطلاسم أن بعضها يحصن حامله من أن يؤثر فيه السلاح.
لاتهمنا هنا الأداة المستعملة لدى أصحاب السيمياء، ولا النتائج التي قد يتوصلون إليها، كما أنه لا يعنينا ما قد يبدو عجائب...

فتلك قضايا تخرج عن الإطار الذي رسمناه لهذا الكتاب، بل تدخل في الدراسات "السوسيولوجية والأنثروبولوجية" وغيرها من العلوم الإنسانية.

كما أننا لا نثير مسألة تحريم أو جواز احتراف كتابة الطلاسم، وما يقترن به من ممارسات غريبة، فتلك أمور يمكن معرفة أحكامها من مظانها من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكتب علماء الإسلام؛ فغايتنـا: إبراز الجوانب السلبية للسيمياء بالسنغال.

تتمثل الجوانب السلبية هذه في أن جلّ متعاطي السيمياء عاطلون عن العمل الإنتاجي، حيث لا يساهمون إلاّ في تقهقر البلاد اجتماعياًّ واقتصادياًّ وفكرياًّ.

وتتفاقم خطورة هذه الظاهرة يوماً بعد يوم إذا علمنا أن جميع الأوساط الاجتماعية السنغالية تتعاهد علنًا أو في الخفاء بؤر أصحاب الطلاسم، ابتداءً من رجل الشارع العادي إلى كبار الشخصيات، من مثقفين وسياسيين وإداريين... لذلك تعج كبريات المدن السنغالية بالعشرات من مختلف الأعمار من متعاطي علم الأسرار يتقوقعون في البيوت بانتظار الزبائن.

وفي الواقع، فإن الأمر يتعلق بتجارة رابحة: حيث تباع الطلاسم بأثمان باهظة تصل أحياناً إلى مبالغ خيالية.

وقد أدّى الاعتقاد والاستعانة بها في كل صغير وكبير إلى كوارث وفضائح اجتماعية واقتصادية لا تحصى، ولقد ندّد شيوخ سنغاليون بهذه الحرفة.

وكتب - بهذا الصدد - الشيخ "مالك سي" في كتابه: "كفاية الراغبين فيما يهدي إلى حضرة رب العالمين وإقماع المحدثين في الشريعة ما ليس له أصل في الدين وكفّرهم: وكان ذكر اسم الله تبارك وتعالى لغير وجه الله محدوداً من الشرك، فما تقول في بيع الاسم بالمال ليستعمله المشتري في حظوظ النفس؛ فالبائع يدخل العالم على غرض فاسد والله المتولي الأمور؛ يقول لك: إن ذكرت هذا الاسم تنال كذا وكذا من الجاه والمال والقبول، قل له: يأيها الأخ ما المانع من وجودك ما ذكرت حتى تبيعه وأنت السابق على ذكره، فإن أردت أن يفتح الله لك الباب وييسر لك كل عسير فلازم التقوى في جميع أمورك، (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَل لَّهُ مَخرجاً. وَيرزقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب ُ) (الطلاق: 2 -3)".

ويضيف الشيخ "مالك سي": "إنَّ شرك الأغراض عند أهل الشريعة فعل أعمال البر لغير وجه الله، ونيل غرض من الأغراض... ومما يجانس شرك الأغراض تعليق شيء مثل التمائم وغيرها دون إسناد التأثير إلى الله  تبارك وتعالى".

ويستشهد بأقوال العلماء كالشيخ محيي الدين الذي ذكر أن "الولوع والاشتغال بعلوم الأسرار من الحروف والأسماء وغيرها، وهي علوم "الهبة"، مذموم ديناً ودنيا. مذموم طلبها، فر يطلبها إلاّ جاهل تدل هذه الفقرة دلالة واضحة أن تعاطي الطلاسم وما يدخل في هذا العالم لا ينظر إليه العلماء المحققون في السنغال بعين الرضى بل يعتبرونه شركاً وانحرافاً عن جادة الطريق..