طبيعة علاقة السيكولوجيا والإبستمولوجيا بديداكتيك العلوم.. تدبير العلاقة بين المدرس والمتعلم وخاصة في ظل التعليم المدرسي الحديث



أن يرتبط التفكير الديداكتيكي بمفاهيم سيكولوجية وإبستمولوجية، فهذا أمر ليس بجديد، فلدينا،في تاريخ الأفكار البيداغوجية شواهد متعددة تدل على ذلك.

فعندما اقترح سقراط طريقة الحوار التوليدي كوسيلة متدرجة لاكتشاف المعرفة، فإنه لم يفعل ذلك إلا لأنه استند ابستمولوجيا، إلى فكرة تقول بوجود الحقائق المطلقة و الخالدة، و بالطبيعة الفطرية لهذه الحقائق وإمكانية توليدها من خلال حوار تدريجي مع الإنسان مهما كانت درجة انتمائه في السلم الاجتماعي.

وحين اقترح ديكرولي Décroly  ما سماه بالطريقة الكلية méthode globale كأفضل السبل لتدريس القراءة، فإن اقتراحه هذا لم يأت من الفراغ وإنما اعتمد فيه على ما توصلت إليه المدرسة الغشتالتية Gestalisme بخصوص عملية الإدراك، كنشاط كلي.

ولا زال الأمر منطبقا إلى الآن، فما قدمه الباحث كارل روجرس  C. Rogers تحت عنوان "البيداغوجيا اللاتوجيهية" non-directivité  لم يكن، في واقع الأمر، إلا امتدادا بيداغوجيا لما توصل إليه، كمعالج نفساني، من تحليلات وأبحاث ومعاينات اختار أن يطلق عليها تسمية العلاج النفسي "المتمركز جول الزبون Centré sur le client".

غرضنا من هذه الأمثلة هو أن نبرز أن العلاقة بين التفكير البيداغوجي- الديداكتيكي تجاوزا - لم تكن وليدة اليوم، بل إنها كانت على الدوام، علاقة كامنة وراء العديد من "البيداغوجيات" التي اقترحت لتدبير العلاقة بين المدرس والمتعلم و خاصة في ظل التعليم المدرسي الحديث.

غير أن هذه العلاقة لا تعني وجود "علم ديداكتيكي" قائم الذات لأن معظم الاقتراحات المنهجية التي وضعها بعض البيداغوجين لم تكن، في الواقع، إلا محاولات استنباطية يغلب عليها الطابع النظري، بل حتى الاقتراحات "العملية" لم تكن لتصل إلى "بيداغوجيات" تجريبية بالمعنى العلمي للكلمة، لأنها صدرت في معظمها عن آراء و تجارب شخصية، الشيء الذي جعل ج. دولاندسيرDelandsheere ينعتها بالبيداغوجيا المجربة Experienciée، تميزا لها عن البيداغوجيا التجريبية Expérimentale.


0 تعليقات:

إرسال تعليق