الخبر في اللغة العربية: تحليلٌ بلاغيٌّ لتعريفاته، مقاصده الأصلية، وأغراضه البلاغية المتعددة من المنظور اللغوي والأدبي

تعريف الخبر: مفهومه وأبعاده

الخبر في جوهره هو كلام يحمل في طياته احتمال الصدق أو الكذب. هذا التعريف ينبع من طبيعة الخبر الذاتية، بمعنى أن الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب لا يعتمد على طريقة النطق به، بل على مدى مطابقته للواقع الخارجي. بعبارة أخرى، يمكن القول إن الخبر هو ما يتحقق مدلوله في العالم الحقيقي بغض النظر عن كونه قد نُطق به أم لا.

لنأخذ مثالاً: جملة "العلم نافع". هذه الجملة تثبت صفة النفع للعلم. هذه الصفة، أي نفع العلم، هي حقيقة قائمة وموجودة في الواقع. سواء تلفظت بهذه الجملة أم لم تتلفظ بها، فإن نفع العلم أمر ثابت. العلم بطبيعته يفضي إلى فوائد جمة في حياة الأفراد والمجتمعات. إن قولك "العلم نافع" هو بمثابة حكاية لواقع متفق عليه عالمياً، أقرته الشرائع السماوية، وهدت إليه العقول السليمة، دون الحاجة إلى إثبات جديد من خلال النطق بالجملة نفسها.

الصدق والكذب في الخبر:

لفهم الخبر بشكل أعمق، لا بد من تفصيل مفهومي الصدق والكذب المرتبطين به:
  • صدق الخبر: يعني أن يكون مدلول الخبر مطابقاً للواقع ونفس الأمر. فالجملة الخبرية تكون صادقة إذا كانت العلاقة التي تعبر عنها الجملة (النسبة الكلامية) متوافقة تماماً مع العلاقة القائمة في الخارج (النسبة الخارجية). على سبيل المثال، في جملة "العلم نافع"، إذا كانت نسبة ثبوت النفع للعلم المفهومة من الجملة مطابقة لما هو موجود في الواقع والخارج، فالخبر صادق.
  • كذب الخبر: يعني عدم مطابقة الخبر للواقع. فإذا كانت النسبة الكلامية لا تتوافق مع النسبة الخارجية، فالخبر كاذب. مثال ذلك جملة "الجهل نافع". هذه الجملة تحمل نسبة كلامية (ثبوت النفع للجهل) لا تتوافق مع الواقع الخارجي، فالجهل بطبيعته لا يجلب النفع بل الضرر، لذا فالخبر هنا كاذب.

المقاصد والأغراض الأساسية لإلقاء الخبر:

الأصل في إلقاء الخبر أن يكون لواحد من غرضين رئيسيين:

1. إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة (فائدة الخبر):

هذا هو الغرض الأساسي الذي يهدف إلى إعلام المخاطب بشيء يجهله. المتكلم هنا يفترض أن السامع ليس لديه علم مسبق بالمعلومة التي يقدمها له.
  • مثال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". هنا، كان الهدف إفادة الصحابة والمسلمين بأن جوهر الدين وعماده هو النصيحة، وهي معلومة قد لا تكون واضحة للجميع بشكل كامل قبل هذا القول.

2. إفادة المخاطب أن المتكلم عالم أيضاً بالخبر (لازم الفائدة):

في هذا النوع، لا يكون الهدف إخبار المخاطب بمعلومة يجهلها، بل إخباره بأن المتكلم يملك المعلومة التي يعلمها المخاطب مسبقاً. يهدف المتكلم هنا إلى إظهار علمه أو معرفته بالخبر.
  • مثال: عندما تقول لتلميذ أخفى نجاحه في الامتحان وقد علمت بنجاحه من مصدر آخر: "أنت نجحت في الامتحان". التلميذ هنا يعلم أنه نجح، ولكن قولك هذا يفيده بأنك أيضاً على علم بنجاحه. هذا يُسمى "لازم الفائدة" لأنه من اللازم في كل خبر أن يكون المخبر به لديه علم أو ظن بالخبر.

الأغراض الثانوية التي يخرج إليها الخبر (أغراض بلاغية):

قد يخرج الخبر عن هذين الغرضين الأساسيين إلى أغراض أخرى بلاغية، تُستفاد وتُفهم من سياق الكلام والقرائن المحيطة به. هذه الأغراض تُضفي على الخبر أبعاداً تعبيرية أعمق، ومن أهمها:
  • الاسترحام والاستعطاف: يهدف المتكلم إلى إثارة الشفقة أو طلب العفو.
مثال: "إني فقير إلى عفو ربي". هنا، المتكلم لا يخبر الله بفقره، بل يسترحمه ويستعطفه.
  • تحريك الهمة إلى ما يلزم تحصيله: يهدف إلى حث المخاطب على السعي لتحقيق أمر معين.
مثال: قول الشاعر: "سلي إن جهلت الناس عنا وعنكم + وليس سواء عالم وجهول". يهدف الشاعر هنا إلى تحريك همة المخاطبة للبحث عن المعرفة والفروق بين الناس.
  • إظهار الضعف والخشوع: يعبر المتكلم عن ضعفه وخشوعه أمام قوة عليا.
مثال: قوله تعالى على لسان النبي زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم/4]. هنا، زكريا عليه السلام لا يخبر الله بضعفه، بل يظهر خشوعه وافتقاره إليه.
  • إظهار التحسر على شيء محبوب: يعبر عن الحزن والندم على فقدان أو عدم تحقيق أمر مرغوب.
مثال: قوله تعالى على لسان أم مريم عليها السلام: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران/36]. تظهر هنا أم مريم تحسرها على أنها وضعت أنثى بدلاً من ذكر، وهو ما كانت تتمناه.
  • إظهار الفرح بمقبل، والشماتة بمدبر: يعبر عن السعادة بحدوث أمر إيجابي أو الشماتة بزوال أمر سلبي.
مثال: قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء/81]. تعبر هذه الآية عن الفرح بانتصار الحق وزوال الباطل.
  • التوبيخ: يهدف إلى لوم المخاطب على فعل قام به.
مثال: قولك للعاثر (الذي سقط): "الشمس طالعة". أنت لا تخبره بطلوع الشمس، بل توبخه على عدم انتباهه ورؤيته لها.
  • التذكير بما بين المراتب من التفاوت: يهدف إلى بيان الفروقات الواضحة بين شيئين أو شخصين.
مثال: قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر/20، 21]. تذكر الآية هنا بالتفاوت العظيم بين مراتب أهل النار وأهل الجنة. وكذلك قولنا: "لا يستوي كسلان ونشيط".
  • التحذير: يهدف إلى تنبيه المخاطب إلى خطر أو ضرر محتمل.
مثال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". هنا، يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الطلاق، على الرغم من كونه حلالاً، لما له من آثار سلبية.
  • الفخر: يهدف المتكلم إلى إظهار فضله أو مكانته.
مثال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة". هنا، يظهر النبي صلى الله عليه وسلم فخره بهذه المرتبة العظيمة التي أنعم الله بها عليه.
  • المدح: يهدف إلى الثناء على صفات حميدة في المخاطب أو الممدوح.
مثال: قول النابغة في المديح: "فإنك شمس والملوك كواكب + إذا طلعت لم يبد منهن كوكب". هنا، يمدح النابغة الممدوح ويصفه بالشمس التي تخفي ضوء الكواكب عند ظهورها.

خلاصة:

من الجدير بالذكر أن هذه الأغراض لا تقتصر على ما ذكر، بل قد يخرج الخبر لأغراض أخرى عديدة، والمرجع في معرفة ذلك هو الذوق السليم والعقل الواعي الذي يستطيع فهم دلالات الكلام من سياقه ومقامه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال