الفروق بين المنهج البنيوي التكويني والمناهج النقدية التقليدية واشتراك علم الاجتماع التكويني مع التحليل النفسي.. التماسك الباطني للنص يفترض أن نتناول النص حرفياً

يبدو الفرق واضحاً بين (المنهج البنيوي التكويني) والمناهج النقدية التقليدية، كما يشترك علم الاجتماع التكويني مع التحليل النفسي.

أما الفرق بين المنهج البنيوي التكويني والمناهج النقدية التقليدية فيتجلّى في النقاط التالية:

1- عدم إيلاء أهمية خاصة في فهم العمل الأدبي للنيّات الواعية للأفراد، وللنيّات الواعية للمبدعين، لأن الوعي لا يشكل سوى عنصر جزئي للسلوك البشري.

فعلى علم اجتماع الأدب أن يعامل النوايا الواعية للكاتب على أنها مجرد علامة من بين علامات عديدة، وعلى أنها نوع من التأمل في العمل الأدبي.
وعليه أن يُصدر حكمه على ضوء النص دون أن يعطيه أدنى امتياز.

2- عدم المبالغة في أهمية الفرد حين القيام بالتفسير الذي هو بحث عن الذات الفردية أو الجماعية التي اتخذت البنية الذهنية المنتظمة للعمل الأدبي بفضلها طابعاً وظيفياً ذا دلالة.

فالعمل الأدبي يكاد يمتلك وظيفة فردية ذات دلالة بالنسبة لكاتبه، إلا أن هذه الوظيفة الفردية غالباً ما تكون غير مرتبطة بالبنية الذهنية التي تنتظم الطابع الأدبي الخالص للعمل.

فالمسرحيات التي كتبها (راسين) تكتسب دلالة ما انطلاقاً من شبابه الذي قضاه في (بور رويال) ومن علاقاته اللاحقة مع رجال البلاط والمسرح والجماعة الجانسينية وفكرها.

إلا أن وجود هذه الرؤية المأساوية كان من المعطيات المكونة للأوضاع التي توّصل (راسين) منها إلى كتابة مسرحياته والتي جاءت كرد فعل وظيفي ذي دلالة للنبالة المثقفة على وضع تاريخي محدد.

3- إن ما نسميه (تأثيرات) لا يمتلك أية قيمة تفسيرية.
ولكن على الباحث أن يفسرها، فهنالك تأثيرات تمارس فعلها على الكاتب. وما ينبغي تفسيره هو: لماذا لا يمارس تأثيره سوى عدد قليل منها.

إن (الفهم) يتعلق بالتماسك الباطني للنص، وهو يفترض أن نتناول النص حرفياً، ولا شيء غير النص، وأن نبحث داخله عن بنية شاملة ذات دلالة.
أما (التفسير) فمسالة تتعلق بالبحث في الذات الفردية أو الجماعية التي تمتلك البنية الذهنية المنتظمة للعمل الأدبي.

وهكذا يبدو الفهم والتفسير غير متعارضين، ذلك أن (الفهم) يكمن في الوصف الدقيق لبنية ذات دلالة، أو هو الكشف عن بنية دالة محايثة للموضوع المدروس.

أما (التفسير) فهو إدراج هذه البنية، من حيث هي عنصر مكوِّن ووظيفي، في بنية شاملة مباشرة لا يسبرها الباحث بطريقة مفصّلة، وإنما بالقدر الضروري لجعل تكوين العمل الذي يدرسه مفهوماً، وعلى سبيل المثال نذكر كيف أن فهم (خواطر) باسكال و (مآسي) راسين هو نفسه الكشف عن الرؤية المأساوية المكوّنة للبنية الدالة المنتظمة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال