المنهج البنيوي التكويني عند لوسيان غولدمان.. دراسة خواطر باسكال ومآسي راسين والأساس الاجتماعي والثقافي للجانسينية



لعل دراسة غولدمان لخواطر باسكال ومآسي راسين هي أفضل نموذج لمنهجه البنيوي التكويني، فقد أصدرها في كتاب (الإله المختفي) عام 1955 في حوالي أربعمائة وخمسين صفحة. ويتضمن أربعة أقسام هي: الرؤية المأساوية، والأساس الاجتماعي والثقافي للجانسينية، وباسكال، وراسين.
أما الرؤية المأساوية فتتميز بمعرفة للعالم، متأثرة بالعقلانية، كما تتميّز برفض قوي للعالم لأنه غير مقنع أو مُرضٍ. فهو يفتقر إلى مبدأ سامٍ يسيّر الإنسان. وهذه الرؤية تتضمن إعجاباً بالعالم من جهة لأنه يشكل المبدأ المفضي إلى المعرفة، ورفضاً لـه من جهة ثانية لأنه لا يستطيع أن يوجّه الإنسان أخلاقياً.
وترتكز هذه الرؤية على ثلاثة أقانيم هي: الله، والعالم، والإنسان. فالله خفي لا يراه الناس، إلا المختارين الذين أنعم الله عليهم برؤيته. والعالم لغز عجيب: فهو لا يشكّل شيئاً للإنسان من جهة بسبب الله الحاضر الذي يتعارض مع العالَم. وهذا يشكل كل شيء من جهة ثانية إذ عندما يكون الله غائباً لا يبقى للإنسان إلا حقيقة وحيدة هي العالمَ.
لذا يترتّب على الإنسان ـ حسب هذه الرؤية ـ أن يعيش في العالم دون أن يشعر فيه بلذة أو متعة. وينبغي عليه أن يقول نعم للعالم فيقبل بواقع العالم الذي يعيش فيه، أو أن يرفضه لأن قيمه تتعارض معه. وهو موقف متناقض يقوم على النعم واللا معاً. وأما الإنسان فيجمع بين النقيضين المتباعدين: العالم (الحيوان، والشقاء) والله (الملاك، والعظمة). ولذا لا يبقى للإنسان إلا أن يتخذ موقفاً واحداً هو الارتداد من وجوده ومشاركته في العالم إلى الدخول في كنف الله الخفي. وهذا الارتداد لا يتمّ نتيجة يقين عقلي (لأن اليقين البشري وهمي) وإنما نتيجة حدس نابع من القلب. وهكذا يرى الإنسان نفسه وحيداً في هذا العالم الأعمى.