الحرية الإعلامية واختيار الوقت المناسب لتوجيه الرسالة الإعلامية لضمان وصولها إلى كثير من الجمهور وقبولها



اختيار الوقت المناسب لتوجيه الرسالة الإعلامية, لأن ذلك أحرى بالقبول وسرعة التأثير في المتلقي ونستوحي هذا الضابط من قصة زكريا عليه السلام مع مريم عليها السلام حين وجد عندها رزقاً.

قال تعالى: "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ* هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء*" ([1]).

(وجد عندها رزقاً) كان إذا دخل على مريم المحراب وجد عندها رزقاً من الله لم يقدمه لها هو، فلما سألها من أي مصدر جاءك هذا الرزق فأجابته أن الله ساقه إليها([2]). (هنالك) أي في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم، أو في ذلك الوقت([3]) يقول الدكتور وهبة الزحيلي: "كانت إجابة مريم سبباً في دعاء زكريا وسؤاله الولد"([4]).

ويستنبط الباحث من هذه الآيات أن زكريا عليه السلام حين رأى الكرامة التي أجراها الله على يد مريم وكان بحضرتها أدرك أن هذا الوقت مناسب للدعاء وأحرى بالإجابة فابتهل إلى الله وأجابه ربه فوراً.

وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم نحو هذا المعنى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا([5]).

فكذلك المؤسسة الإعلامية هي صاحبة حاجة، وأن هدفها بث رسالتها الإعلامية وهدفها الأهم أن يقبل الناس تلك الرسالة الإعلامية، وإختيار الوقت المناسب أحرى بقبولها وعدم الإختيار المناسب للوقت قد يتسبب في عدم وصولها إلى كثير من الجمهور فضلاً عن عدم قبولها.

وهذه الآيات وإن كانت ذات علاقة مباشرة بتحري أوقات إجابة الدعاء. إلا أن لها دلالة غير مباشرة في أن يختار الإنسان الأوقات المناسبة لفعل يلائم ذلك الوقت وإلا كان تصرفه نشازاً غير مقبول كمن يعرض برنامجاً مهماً يتابعه كثير من الناس في وقت صلاة الجمعة، فإنه يعرِّض برنامجه هذا إلى الضياع لانشغال الناس عنه بالصلاة وهكذا من يعرِض أغنية في وقت آذان فإن رفضها سيكون أبلغ من رفضها في أوقات أخرى، وكذلك أن يُعرض برنامج عن شهر الصيام في أيام الحج.

لذلك يتوجب على الإعلامي اختيار الوقت المناسب لتوجيه رسالته الاتصالية، وأن يختار المضمون الإعلامي المناسب لوقت البث ومكانه حتى تؤدي الهدف المرجو منها.

([1]) سورة آل عمران، الآيات 37- 38.
([2]) الخالدي، مختصر تفسير الطبري، ج2 ص252- 256.
([3]) أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، ج1 ص363.
([4]) الزحيلي، التفسير المنير، ج3 ص214.
([5]) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب 11.