دول الخليج والعولمة:
في ظل ما يجري في العالم من حولنا، فإن الصورة في المنطقة ليست وردية أو مطمئنة، فهناك ضعف وتفكك عربي، إذا ما استمرا فإنهما يهددان بالتهميش الكلي للدول العربية - ودول الخليج من ضمنها بالطبع - وإخراجها من أي منافسة إقليمية أو دولية لعدم تمكنها من ذلك بين دول العالم في السنوات القادمة.
اختلال جغرافي وإنساني:
الأمر الذي يجعل التحديات التي تواجهها دول الخليج العربي من أكبر التحديات على مستوى المنطقة العربية بأسرها، قد تصل إلى "اختلال جغرافي وإنساني" وخصوصا أن هناك حزمة كبيرة من المشكلات المتشابكة والمعقدة على تلك الدول أن تتجاوزها لتستطيع مواكبة التطورات العالمية المتسارعة في الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين للألفية الثالثة.ما هي العولمة؟
والعولمـة: مصطلح، يعني فيما يعنيه تأثيرات شاملة، منطلقها العالم الغربي الصناعي (إلا أنها لم تعد حكرا عليه، فقد أصبحت دول مثل الصين والهند، مشاركة في تحريك العولمة بعد أن كانت راكبة في القطار فقط).
أما دول مجلس التعاون، من بين دول أخرى، فهي مثقلة بتأثيرات العولمة، مما يؤدي إلى التشابه في الكثير من الممارسات، وتشمل: السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والأخلاق والأعراف والتقاليد والقيم وغير ذلك.
إلا أن العولمة لا تتوقف هناك بل إنها تتجاوز في التأثير ذلك إلى تخفيض أو إلغاء الحدود السياسية والجغرافية بين الدول.
أهداف العولمة:
إن الهدف المعلن من العولمة هو إزالة الحواجز، وتقليل الفروقات المتراكمة بين المجتمعات الإنسانية المختلفة لسيادة الأسواق الحرة، وانتقال رأس المال وآليته التي ترفض أي قيود أو ضوابط أو حدود، منطلقة من حرية تداول السلع والخدمات، ومعتمدة على أفكار فلسفية، منها الأسواق الحرة، وحقوق الإنسان والمشاركة العامة، والشفافية والمساءلة.
فانتشار المعلومات والمشاركة فيها وتذويب الحدود أو إزالتها، هي بعض أهداف العولمة، التي يمكن أن تستفيد منها دول العالم الثالث، ومنها منطقة الخليج إن هي وضعت سياسات تؤدي إلى تعزيز الاستفادة من نتائج العولمة.
الشركات متعدية الجنسية:
وكما أشرنا في دراسة سابقة فإن: "العولمة ليست ظاهرة جديدة كفكرة... فقد وجدت منذ وجد الاتصال الإنساني... ولكن سرعتها وتأثيرها على كثير من مظاهر النشاط الإنساني وخاصة الاقتصادي، والمعلوماتية هي التي تتغير، ومع ظهور وانتشار الاقتصاد الإلكتروني ونمو الشركات ذات النشاط الدولي (الشركات متعدية الجنسية) والاتصال الإلكتروني (ثورة المعلومات) ظهرت فكرة العولمة في المجال الثقافي" وروج لها بشكل ملحوظ حول العالم.
إيجابيات العولمة:
ولا شك أن العولمة تحمل العديد من الإيجابيات إذا أُحسن التعامل معها بذكاء وفطنة، واستطاع المجتمع العربي والإسلامي لدول الخليج العربية أن يضع الخطط العلمية ليمسك بزمام المبادرة، لأن هذه الظاهرة تعطينا الفرصة لنقدم ما لدينا من حجج عقلية وأدلة منطقية يمكن أن نقنع بها العالم، كما أنها ستحرك المياه الراكدة في هذه الدول، وتفتح أذهان شعوبها إلى أنماط جديدة من أنواع الحياة في مختلف المجالات.
"فالعولمة ليست شراً مطلقاً، بل إنها تحمل في طياتها جانباً من معاني الخير والتقدم للبشرية".
مجتمع الخليج بين قبول ورفض العولمة:
إلا أن مجتمع الخليج منقسم اليوم بين موقفين تجاه العولمة؛ الأول رافض مظاهرها وخاصة الاجتماعية، وهو موغل في التمسك بالماضي على الأقل فكريا واجتماعيا، والثاني قابل بكل ما يأتيه منها من نتاج مادي ومعنوي، وهو متكيف معها أو قابل للتكيف.
إلا أنها كظاهرة دولية ستكون مؤثرة بعد أكثر من عقدين تقريبا من اليوم، وسيكون ردة فعل دول الخليج عليها هي الولوج الأكثر في إطارها من حيث الامتزاج الاقتصادي بمظاهره المختلفة ومن حيث التواصل الاجتماعي.
وسيكتشف الخليجيون جذورهم المشتركة مرة أخرى بسبب تأثير العولمة الدافعة للتقارب الأممي، فما بالك بالتقارب الإقليمي، وسوف يقيمون خطوط المواصلات بينهم من الكويت شمالا "وربما أكثر" إلى مسقط جنوبا "وربما أكثر"، مع حرية التنقل والعمل. بعد أن تيقنوا أن الانعزال هو مضاد لفكرة العولمة، كما هو مضاد لفكرة التقدم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق