لا بدّ لنا من أن نطرح على الأدب المقارن العربي سؤالاً محرجاً، ألا وهو:
ماذا قدّم هذا العلم حتى الآن للنقد الأدبي والدراسات الأدبية في الوطن العربي؟
ماذا قدّم هذا العلم حتى الآن للنقد الأدبي والدراسات الأدبية في الوطن العربي؟
ويؤسفنا أن يكون جوابنا عن هذا السؤال إنه لم يقدّم الشيء الكثير، ولم يتمكّن من أن يؤدي أكثر من جانب يسير من رسالته التي وصفها الدكتور هلال بالهامّة والخطيرة.
فهو لم يتمكن من النهوض بالنقد الأدبي العربي وتوجيهه بالصورة التي طمح إليها الدكتور عبد النبي اصطيف، ولا تمكن من توجيه الأدب العربي الحديث "وجهة رشيدة"، وهذا ما طمح إليه الدكتور محمد غنيمي هلال.
وجلّ ماقدّمه الأدب المقارن للنقد والأدب العربيين حتى الآن هو إلقاء الضوء على بعض جوانب علاقة هذا الأدب ببعض الآداب الأجنبية، ولا سيما الآداب الأوروبية والأدب الفارسي.
ورغم كلّ مازعمه الدكتور هلال حول خطورة الأدب المقارن وأهميته، ظلّ هذا العلم في الوطن العربي ظاهرة هامشية، وذلك لأسباب كثيرة، نذكر منها:
1- تأخر ظهور الأفكار المقارنية في النقد الأدبي العربي، وخلوّ النقد العربي القديم من تلك الأفكار بصورة شبه تامّة.
فمن المعروف أنّ عقد الموازنات بين الأدب العربي والآداب الأجنبية لم يظهر إلاّ في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي على يد رواد عصر النهضة، ثم على يد نقاد أدبيين من أمثال روحي الخالدي وقسطاكي الحمصي.
فمن المعروف أنّ عقد الموازنات بين الأدب العربي والآداب الأجنبية لم يظهر إلاّ في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي على يد رواد عصر النهضة، ثم على يد نقاد أدبيين من أمثال روحي الخالدي وقسطاكي الحمصي.
2- تبعيّة الأدب المقارن العربي الشديدة للمدرسة الفرنسية، وانسياقه وراء دراسة العلاقات الأدبية ومسائل التأثير والتأثر، التي استنفدت حتى الآن الجزء الأعظم من الجهود التطبيقية التي بذلها المقارنون العرب.
3- لا يدرّس الأدب المقارن في الجامعات العربية إلاّ على نطاق ضيّق، وذلك كمادّة مقررة ضمن دراسة اللغة العربية وآدابها، واللغتين الإنكليزية والفرنسية وآدابهما.
ففي الجامعات السورية على سبيل المثال تدرّس مادة الأدب المقارن في السنة الدراسية الرابعة ولفصل دراسيّ واحد، حيث خُصّصت لها خمس ساعات أسبوعية، أربع منها للمحاضرة النظرية وساعة لحلقة البحث.
ويدرّس مقرر الأدب المقارن، كغيره من المقررات الدراسية، بالأسلوب المدرسيّ المعروف، القائم على وجود منهاج وكتاب مقرّر ونمط معيّن من الامتحان، وهو أسلوب جعل دراسة الآداب في جامعاتنا دراسة ضئيلة المردود، تشجّع الطالب على الحفظ والاستظهار، بدلاً من أن تحفزه على ممارسة البحث العلمي بالاعتماد على النفس، وعلى التعامل الخلاق مع الأدب.
أضف إلى ذلك ندرة الأستاذة المتخصصين فعلاً في الأدب المقارن، وإيكال تدريس هذه المادّة إلى أساتذة غير متخصصين.
ومما ساهم في ضمور الأدب المقارن العربي عدم وجود دراسات عليا فيه، وعدم توافر معاهد أو أقسام خاصّة به في الجامعات العربية، على نمط ما هو شائع في جامعات الأقطار المتقدّمة.
4- ضعف التواصل العلمي مع الأدب المقارن في العالم، والتأخر في استيعاب ما يستجدّ في العالم من اتجاهات نظرية وأبحاث تطبيقية، سواء من خلال الترجمة، أم من خلال عرض الإصدارات الهامّة وتلخيصها.
وجلّ ما تمّ تعريبه حتى الآن هو بعض مؤلفات الفرنسيين فان تيغم وغويار وبرونيل وباجو، والأمريكيين ريماك وويلليك وليفين، والبريطاني براور.
وإذا استثنينا المدرسة المقارنية الفرنسية، التي لعبت بالنسبة للأدب المقارن العربي دور القابلة، فإنّ العرب لم يستوعبوا بصورة كافية أيّاً من المدارس المقارنية الحديثة، بما في ذلك ما يعرف بالمدرسة الأمريكية.
وقد كان التقصير في تمثيل البحوث المقارنة في أقطار أوروبا الشرقية "المدرسة السلافية" وألمانيا شبه تام.
إنه تقصير لا يُغتفر ألاّ تستوعب الأوساط المقارنية العربية بصورة مناسبة مقارناً حظي بإجلال الأوساط المقارنية في العالم بأسره، ألا وهو المقارن الروسي الكبير فيكتور جيرمونسكي.
كما يتجلّى ضعف التفاعل بين المقارنين العرب والمقارنية العالمية في غياب عربي شبه تامّ عن المؤتمرات والندوات المقارنية الأجنبية، قطرية كانت أم إقليمية أم دولية، وفي مقدّمتها مؤتمرات الرابطة الدولية للأدب المقارن (AILC) التي قلّ أن يشارك فيها المقارنون العرب ويسجلوا حضوراً علمياً ملحوظاً للأدب المقارن العربي.
5- ضعف التواصل العلمي بين المقارنين العرب أنفسهم، وذلك لعدم وجود مجلة عربية متخصصة في الأدب المقارن، وندرة الندوات العلمية التي تقيمها الجامعات العربية في هذا المجال، وتعثر مسيرة الرابطة العربية للأدب المقارن، وعدم قيام جمعيات قطرية للأدب المقارن في معظم الأقطار العربية.
التسميات
أدب مقارن