نعمات البحيري شجرة وحيدة في نهاية الطريق.. رواية أشجار قليلة عند المنحنى: محطة شجن في رحلة الحلم القديم



نعمات البحيري روائية وقاصة مصرية تنتمي إلي جيل الثمانينيات, تخرجت في  كلية التجارة ؛ وتزوجت من شاعر وناقد عراقي بعد قصة حب, وعاشت معه في  العراق أثناء حربها مع إيران, فاستوحت تجربتها معه في روايتها: (أشجار قليلة عند المنحنى صدرت عن دار الهلال عام 2000 ) كما صدر لها كثير من المجموعات القصصية , منها نصف امرأة/  "ضلع اعوج ".. كذلك, كتبت للأطفال بعض القصص  ونشرت إبداعها في  الدوريات المصرية والعربية مثل قطر الندى , مجله ماجد والعربي الصغير. ومن الروايات: حكايات المرآة الوحيدة , والرواية الأخيرة  كتبتها قبل وفاتها بعنوان .يوميات امرأة مشعة".
* ولقد نالت نعمات البحيري عن تلك الرواية جائزة الدولة للتفوق في  الآداب , تلك الجائزة  عبرت عن فرحها بها ، بوصفها إحدى وسائل المقاومة للعديد من الاحباطات  من شأنها  أن تجفف منابع الحلم والرغبة في التغيير إلى حياة أفضل , فضلا عن أنها أكبر تقدير يمكن أن تناله – في تصورها - كاتبة مصرية , وذلك لكونها جائزة الدولة التي تسلط الضوء على النماذج المشعة في الأوساط الأدبية.
أشجار قليلة عند المنحنى .... هل هي سيرة ذاتية؟
بعد فوزها بجائزة التفوق فى الأدب أثير العديد من التساؤلات حول أعمالها.. لذلك سأتناول في معرض تعريفي بهذه الأديبة رواية تلك الرواية على وجه التحديد لأنها تبلور تجربة جيل نعمات وتكتنز خبراته ورحلة حياته الفكرية والوجدانية بل تجربته الاجتماعية أيضا.

رواية أشجار قليلة عند المنحنى: محطة شجن في رحلة الحلم القديم:
    وضعت هذه الرواية تجربة القومية العربية موضع التأمل من خلال تجربة ارتباط اجتماعي عاطفي بين شخصيتين كانت لهما خلفية ثقافية لتحقيق هذه الوحدة من مدخل وجداني مثالي لكن هذا المدخل سقط على باب الحياة الاجتماعية:  امرأة مصرية ورجل عراقي لكل منهما تجربته الخاصة في بيئته الاجتماعية الأولى ويظنان أن بإمكانهما إقامة أسرة عربية مثالية ولكن الحلم يفشل لتعود المرأة مهزومة إلى بلادها ويظل الرجل مهزوما هو الآخر خلف نظام ديكتاتوري ينتظر السقوط.
 وربما يكون من أهم تلك الملامح ذلك المناخ  القاتم الذي تحركت فيه الأحداث , فالحرب العراقية الإيرانية بقسوتها في الثمانينيات جعلت الأحداث تتحرك بالساردة في جو تشوبه دائماً رائحة البارود , بما يجلبه إلى الأجواء حوله من حرارة أضيفت إلى حرارة مناخ العراق فزادته قسوة , مما جعل الساردة تكره كل هذه الحاءات من حرب , وحرق . وحر , وحزن وما يستدعيه ذلك لديها من إحساس باستدعاء حاءات أخرى لديها من حب وحنين وحلم.
فنراها تبدأ روايتها من حيث انتهت تجربتها الحزينة , حيث الرحيل عن أرض الرافدين , وهى تبكى حبها لعائد ,فتقول :
" طريق الأسفلت على الجانب الآخر أكثر لمعاناً , ربما لتلك المفارقة التي تشبه مأساة وملهاة الشهور والأيام والأحلام  والكوابيس التي عشتها هناك  البيت الصغير الكائن في نهاية الطريق . السيارة التي أركبها الآن رديئة بشكل مضحك بما تحمله من روح ساخرة بهزيمة العودة , مقابل زهو دخول المدينة بأزاهير الشوق لرجل جميل ظللت أحبه لسنوات طويلة , قبل أن يفضى ذلك الحب إلي زواج أفضي سريعاً لتلك الحالة الغربية التي تجعلني أنظر ملياً إلى طريق الأسفلت على الجانب الآخر.. أشعر برغبة في الإسراع نحو طريق الفرار ,حتى لا يلحق بي " عائد " تركته نائماً بعد مهرجان الخمر و أهازيج العرق , وما صاحبها من حشد هلا وسه البصرية والسمعية , وفوبيا السيد الرئيس التي  تفاخمت في الفترة الأخيرة , فأطاحت بأخر رغبة لي في البقاء بين أسوار هذه المدينة..., السيارة رديئة تسير على عجل يتحرك دون حماس ,وسائق لا يعرفني , رغم مصريته . حكيت له أنني مصرية هاربة من زوجها ابن هذا البلد فأبدي الكثير من التعاطف . صمت كأنه يوافقني على الفرار من مدينة الحزن والحر وأشياء كثيرة تبدا بحرف الحاء . وظل يرافقني طريق الفرار على الرغم من تمام علمه انه لن يعود بمغنم.. سلسلتي الذهبية التي أهدتني إياها أمي من ضمن هداياها الكثيرة لم تأت بغير ثمن التذكرة ..., سوف أتدبر أجرة التاكسي من مطار القاهرة إلي بيتنا , وربما دفعها أبي  شماتة أو اى من أخوتي وكل الذين عارضوا زواجي من عائد" أشجار قليلة عند المنحنى- الهيئة العامة لقصور الثقافة 2006 م
ويبدو أن رحلة الغربة تكون دائما نبعا يثري السرد النسوي , بما تحمله من دلالات الفراق والشجن , فها نحن نرى تفاصيل ذلك الشجن في  رواية " في ثوب غزالة "  التي كبتها د/عزة بدر على لسان ( هدى) التي تتوق إلى السفر لفارس أحلامها بقدر توقها إلي البقاء في عالمها الذي تنتمي إليه , فهى بوصفها أنثى تنتمي إلي الأماكن التي استقرت في كيانها , تقول :
" هلت رائحة العطر عندما انفتح الشباك للحظة في الأعالى لينغلق ويبيت الناس أمام السفارة للغد الذي يشرق والناس على أعتابها ينتظرون الفرج لم أتحمل المشهد كان صعبا لدرجة لا تسمح باحتماله ,ولكن لابد مما ليس منه بد , أن أسافر لباسم فانا العروس التي ينتظرها منذ ثلاثة شهور حتى تنهي إجراءات السفر لتبدأ رحلة الزواج في البلد العربي الشقيق . كان عليه أن يتم غربته وكان على أن أبدا غربتي ! صورة باسم وعيناه تدعوانها للسفر , رجفة يده وهو يودعها , رعشة أنا مله تستحثها أن تنجر أوراقها , وخوفها من فكرة السفر والمجهول ..., كل ذلك يدفعها  لرفض فكرة السفر . تذكرت أمها وهى تقول لأبيها " دى رايحة بلد النبي يا حاج...، تفتح قلبها للرحلة .... ،صارت تستدعي أقوال الحكماء عن السفر وما فيه من سبع فوائد ,حاولت أن تتذكر فائدة منها فلم تتذكر !.. كيف ستشد الرحال وتترك "أم الدنيا" ! أهلها .. أيامها في الجامعة المشاهد التي الفتها في غدوها ورواحها . " في ثوب . غزالة . كتاب الجمهورية – عدد أغسطس 2006 .
* إن هذا الإحساس بالحنين إلي الوطن , والاغتراب الذى تقاومه الذات الأنثوية في تجربة السفر , هو ما جعل أشجان تردد ، في مفارقة بين يوم وصولها إلي أرض العراق , ويوم رحيلها – أو بمعنى أدق – يوم هروبها من "عائد" بقولها " ليلة أمس هدته الحالة الهسترية التي صار عليها بعد الانخراط في الخمر فنام مكدوداً .. ألقيت عليه نظرة طويلة وكتبت له :
" لا شيء ينشأ من فراغ .. أقصد البعد .. وأنت لابد أن تفيق أولا وتبحث عنى كى تجدنى , ولن تجدنى " تركت الورقة على الكومدينو إلي جوار باقة ورد قطفتها ليلة أمس من حديقة بيتنا في المنطقة التي عرفت فيما بعد أنها مستهدفة ليلا من صواريخ العدو ..."كانت الكلمات تترقرق في مخيلتي مثل دمع .. طرف الستارة المسدلة مثل غلالة الطرحة البيضاء التي أزاحها ليلة الزفاف عن عيون حالمة بالبهجة والفرح , زمن الحرب الذي لم يكن توقيتاً مناسباً للفرح , غير أنه القدر " أشجار قليلة عند المنحنى ص18 .
المرسل: الرجل:
** تبدو شخصية "عائد" فى الرواية من الشخصيات الغامضة  تتسم أفعالها بالضبابية ,إما لما طبعته الحرب على شخصيته من رعب , أو نتيجة للضغوط التي يتعرض لها بعد زواجه من "أشجان " المصرية التي يطلق عليها لفظ الأجنبية.
    إن اسم "عائد " يحمل دلالات متعددة منها مفهوم القيمة أو النفع الذي سيعود على الفتاة من ارتباطها بمن تحب لكن المفارقة أن العائد الفعلي يكون الفشل والندم والألم المثير لتجربة شجن تجترها الراوية في النص السردي.. كما يمثل اسم عائد حلم أشجان بالعودة إلي وطنها.. كما يمكن أن يمثل عودة فكرة القومية التي كانت مطروحة في مصر بعد ثورة يوليو1952م.. فهذه الفكرة تعود في صورة أخرى آتية من بغداد وتستجيب لها الابنة المخلصة لأفكار الطفولة لتتجرع مرارتها.
    إن شخصية عائد نفسها لا تحتمل الفكرة حين تطرح على أرض الواقع أو في تجربة زواج فعلي أساسه الوجدان والعقل.. فبعد زواجه من أشجان تتدهور حالته النفسية , نتيجة لفقد عمله من ناحية ,والتعامل معه بوصفه متخلياً عن وطنه , لعدم زواجه من ابنة شهيد أو زوجة شهيد – من ناحية أخرى : " وفي أحيان كثيرة اخشي أن يظن البعض بي شبهة خيانة ، لأنني لم أتزوج من زوجة شهيد أو ابنة شهيد ، وكأنه الواجب القومي المقدس 0 " صــ 178 
هذا بالإضافة إلي مدلول شخصيته التي تهرب من الواقع عن طريق شربه للخمر التي تذهب عقله , وتفقد اتزانه :" لأول مرة تتراءي لي صورة أشجان في الكوب الزجاجي ، تطفو فوق الخمر ، وترغب دائما في أن ترمم ما انكسر بداخلي وهي لا تعلم أن العالم بأسره قد تشظي وصار نثارا ! محال يا ايزيس أن تستقيم النظرة. اتظنيني أوزوريس تعيدين رتق بدنه ولملمة شتاته ؟! "
فهذا الاستدعاء للأسطورة المصرية القديمة يكاد يشي بتلك الحالة التي أدت بعائد لذلك الانشطار الداخلي الذي تعرض له بعد زواجه من أشجان.
المرسل إليه: المرأة:
** أما المرأة ( أشجان ) فهي جزء من ذلك العالم الذى تبحث في الدال الأنثى عن الرجل القطب أو الرجل الذي لا يعكس صورة الأب بقدر ما يكون عكسا لها , ولكن تتحول الصورة الذكورية إلي نسخة مطابقة تبحث دائماً عن قهر هذه الأنثى , وذلك بالطبع ما أفضى بها إلي الهروب من حر العراق وحربها ,ذلك المناخ الذي لم تكن تخشاه:
" حين عرف أبي أن من أحبه عربي توجس كثيراً ..,  ثم طالتني سهام أسئلته مسنونة بحد القلق:
- والغربة؟ والحرب؟
- رددت وأنا لا أرغب في تذكيره بفشل خطبتي السابقة:
- دعني أختار هذه المرة .. ربما كانت عيناه في الغربة وطناً .. وربما كان الحب في الحرب برداً وسلاماً .. أزحت ستار النافذة مرة أخرى لأراها هي نفسها الصحراء العتيدة الممتدة , تحف بأشجاري المتباعدة التي مازالت تتعلق بها نفسي . " أشجار قليلة عند المنحنى ص 17,18 .
* فالأنثى في هذه الرواية هي ما يطلق عليها د. محمد عبد المطلب :" الأنثى الثقافية " , أى التي تتجاوز دور الأنثى المنوط بها من الأسرة والبيت لتصبح رمزا لمجموعة من المفاهيم..  فلقد أحبت في هذا العربي الشعر الذى هو ديوان العرب , أى الذى لا يعرف الحدود بين الأرواح فهو يتجاوز الحدود الصارمة بين بلدين وروحين أو فلنقل إن الشعر هو رمز اللغة التي حمل المثقف المصري أمانتها وهو يشارك بوعي في كتابة تاريخ الحضارة العربية التي أخلص لها ووضع فيها رموز ثقافته عبر التاريخ وقصصه وحكاياته وفكره.
- ولذلك تجزع أشجان بما تحمله من ميراث حضارة وادي النيل  تحيا بالاستقرار , وتستفز حضارة بلاد الرافدين بميراث البابليين والأشوريين , بقولها : " وضعت تحت التكعيبة وأمام شتلات الزهور والفاكهة في الأرض المزروعة كنبة ووسائد وكراسي وصففتها بأصص الريحان والياسمين , وكنا نجلس لشرب الشاي والقهوة ونقرأ أو نتحدث  اتجاهات الحرب  أيامها الأخيرة .. ثم وعلى حين غرة أراه يقول : لأبد ان يكون لدينا طفل حتى أقف به أمام العالم .. هو وحده الذي بمقدوره أن يجعل حبنا صامداً.
- نزل كلام "عائد " على رأسي كالصاعقة .. أي عالم ,ثم رأيته يتنصل لكل ما قاله حين سألته في  محاولة للتعميم والتغييب . راح يخبرني أنه أبداً لا يجد مبررا أن أحرث الأرض وأزرعها وأرويها ونحن نعلم أنه إذا ما عرفت الصورايخ المنطقة  سوف نجمع حاجياتنا ونشد رحالنا على منطقة أخرى كان " عائد" يتحدث بطريقة غريبة وكأنة لا يشاركني وجع الاغتراب , أحد مواريث الغضب التي تنتاب من يتزوج من غير وطنه وخاصة إذا كان الوطن الآخر في حالة حرب . ثم بد إلى وكأنني أراه لأول مرة .. ورغم ذلك واصلت ما أفعل "" الرواية ص 123
فأشجان مصري باستدعائها للفلاح المتمرس المصري الذي يعمل  العراق لزراعة حديقة بيتها يعد جزءاً من حاننها إلى كل ما هو مصرى , مما يعكس اغترابها , وتمردها على الواقع الحزين الذي يخيم على المكان الذى تعيش فيه , فهى دائماً ما تقاوم الحرب بالحرث  والزرع , وكأنها تنتصر لوطنها الغائب الحاضر .
* إن المتاهة التي انتهت إليها حياتها في الغربة جعلتها تردد :
" انطفئي أيتها البلهاء التي تقترب من ثلاثينها. أيتها المغتربة من أجل الحب أى حب ؟!
*كان هنا القليل منه ونفد , تبدل الحب بأوهام وأحلام تتحقق بعد انتهاء الحرب , حلم بجنة وفردوس وأيك متشابك وأشجان , وليس عند المنحنى سوى أشجار عارية من أوراقها . وها أنا مازلت أمشى  طريق الحار نحو المجهول ." صـــ24 .
*الموضوع  القهر:         
 تستبد بالساردة حالة من الإحساس بالقهر بوصفها أنثى متماسة مع الوطن الذى يعيش أيضا مثلها حالة من القهر من حاكمه الطاغية الذى يحمل وطنه إلي معارك يدفع ثمنها الأباء والأبناء , فها هى الساردة تسال زوجها  في حسرة عن ذلك الطفل الذى يريد أن يهديه لمدينة الموت , لتلك الأرض الخراب :
" كنت أسأله بعد أن يسقط الصاروخ في كل ليلة ..."  أى طفل هذا الذى ترغب أن تهديه لمدينة الموت الموصومة بالسواد , ووجوه النساء المدموغة بالحزن " لم أر طفلا واحدا في المدينة , الوجوم والعبوس يرسم ملامح الأطفال ويحاصر الأمهات والبنات اللائي يرين  الحرب مفرخة لموت الآباء والشقاء والأقرباء ...آلة حديثة عالية الجودة تنتج الحزن كل صباح " صــ247
فنموذج الطاغية الذي تمثل في صدام حسين يطلق عليها في إطار النقد الثقافي , " صناعة الطاغية " , ويكشف به د.عبد الله الغذامى عن دور النسق في توجيه حركة التغير والتحول :
"هذه الأنا المتضخمة.. لا تقوم إلا عبر التفرد المطلق بإلغاء الآخر وبتعاليها الكوني , وبكونها هى الأصح والأصدق حكماً ورأياً , ويكون العلم عندها علامة قوة وسؤدد , والكذب عندها مباح ,وتشعر بما لا يشعر به غيرها , وترى ما لايرون , والعالم محتاج إليها لأنها هى المنفذ الكوني , ولا يستمر وجودها إلا بسحق الخصم , وهى الصوت المفرد الذي لا صوت سواه.." النقد الثقافي – د /عبد الله الغذامى – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء المغرب – بيروت – لبنان ط 2001 ص 193,192
- وهكذا نجد تلك الثنائية التي امتزجت برواية نعمات البحيري , أشجار قليلة عند المنحني , وكيف أنها تماست مع نموذج صناعة الطاغية الذي تمثل في قائد الشعب العراقي في حرب إيران التي تزامنت مع وجود الساردة في  بغداد في تلك الفترة التي بدأ فيها زواجها بالشاعر العراقي , والتي عبرت بها عن حلم القومية العربية الذي يتلاشي مع لفظ الأجنبية  وضرورة وجود بطاقة للهوية ، وذلك بقولها :  " أمعنت النظر في خشب الدكة فرأيت أسماء كثيرة متجاورة ومتلاصقة ومتعانقة لنساء
عربيات – أجنبيات – كما يقول الحزب ، تزوجن رجالا من نفس البلد ، جلسوا قبلنا علي نفس الدكة الخشبية وأمام الحارسين يعشون نفس القلق والضجر . ، بعد وقت وأنا في متاهة الضيق والصدى والدوار والعتمه ارتطمت بجدار أصم ورحت افتش عن فتحه في الجدار وأنادي "عائد" ولا أحد يرد ، وأنادي ولا أحد ، وأصرخ ولا أحد "ص255
فهذه النهاية تشي باندثار الأمان , فضلاً من مشاعر الاغتراب والحنين التي تغلفت بها تجربتها ,مضافاً إليها مشاعر الخوف من الحرب وما يتبعها من مشاعر الحزن الذي أضاف إلى أشجان مصري بطلة الرواية المزيد من الشجن ، والتي عبر عنها "عائد" بقوله : ماذا يمكنني أن افعل لهذه المرأة المشحونة بغربه أبدية ؟ ص 169
" تدهشني هذه المراة فهي تبحث في مدينتنا عما يشبه مدينتها ربما ساهم هذا في تهدئة إحساسها بالغربة " ص173.
    إن رواية "أشجار قليلة عند المنحنى" تقوم على الرمز فالأسماء تتجاوز كونها علامات لتعريف الشخصية وتصبح مؤشرا يستدعي أفكارا لها مرجعيتها التاريخية.. إن اسم "أشجان مصري" هو في حقيقة الأمر تعبير عن وصف لحالة يعيشها وطن سعى إلى التجربة القومية ولم تكن نتيجتها إيجابية.. أما ""عائد" فهو عودة طرح مفهوم القومية من جديد أمام الذات العربية وكما كان الحال في تجربة الستينيات تعود تجربة الثمانينيات العراقية إلى حكم ديكتاتوري يتخذ من الفكرة قناعا لقهر وطن.
    كانت تجربة نعمات البحيري مؤشرا لأزمة القومية العربية التي اعتمدت على خطاب أيديولوجي دعائي أكثر من تأسيسها على خطوات مدروسة متواصلة لتحقيق الكيان القومي على أساس المصالح والثقافة والاحترام المتبادل بين الشعوب والانفتاح على العالم.. وربما كانت المرأة الخليجية أكثر تفاؤلا وهي ترصد تجربة انفتاحها على العالم دون الانقياد لفكرة أيديولوجية بصدد القومية والوحدة.. فهناك هوية محلية تلتقي مع هوية عربية وتتقاطع مع التجربة الحضارية الكلية وهذا هو حال مها عبود باعشن.         
سعاد صالح عبد المطلب