الحرب الإرترية الإثيوبية.. توقيع اتفاق الجزائر وتأجيل ترسيم الحدود بين البلدين وسعي إلى إسقاط نظام أسمرة



الحرب الإرترية الإثيوبية

الحرب الإرترية الإثيوبية تعد أشرس حرب عرفتها منطقة القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة؛ حيث حشد فيها الطرفان ما يربو عن ربع مليون جندي، وتكبد فيها البلدان الكثير من الخسائر البشرية والمادية.

وبالرغم من أنها انتهت بهزيمة إرتريا، ووضعت أوزارها بتوقيع قيادة البلدين اتفاق الجزائر في 8 يونيو من عام 2000 م، ثم بتوقيع اتفاق سلام شامل في الجزائر في 12/12/2000م برعاية (منظمة الوحدة الأفريقية)، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة «كوفي عنان» والرئيس الجزائري (عبد العزيز بوتفليقة)، وصدر بحقها في 14 أبريل 2002م قرار لجنة ترسيم الحدود بين البلدين فإن إثيوبيا ما زالت ترفض القبول بهذا القرار، وترى فيه إجحافاً في حقها؛ حيث قال وزير خارجيتها (سيوم مسفن) في 15 إبريل 2003م: «لا أحد يتوقع بأن إثيوبيا سوف تقبل تلك الأخطاء التي وقعت بها لجنة الحدود»، ثم أعقب ذلك التصريح بيان وزارة الخارجية الإثيوبية الذي اتهم اللجنة بالتحيز غير العادل.

خلافات ترسيم الحدود:

وفي آخر لقاء صحفي له (منشور بموقع قبيل gabeel.com مترجماً) يقول رئيس وزراء إثيوبيا (ملس زناوي) عن قرار لجنة ترسيم الحدود: «لم نعترف بأن قرار مفوضية الحدود قرار قانوني منصف».

وحمّل إرتريا تبعات استمرار الموقف المتأزم، وعلى الرغم من أنه نفى أن تكون له نوايا شن حرب جديدة على إرتريا إلا أنه أكد عدم تردده من الرد بالمثل إذا ما قررت إرتريا اللجوء إلى الحل العسكري.

لا أعتقد من جانبي بأن إرتريا تلجأ إلى الحسم العسكري، وإن كنت لا أستبعده تماماً؛ فهي في موقف ضعف شديد، وتعاني من تفكك داخلي؛ بسبب سوء إدارة (أفورقي) الذي انفرد بالقرار، وزجّ بمعارضيه من رفاق الثورة والنضال في السجون والمعتقلات متهماً إياهم بالعمالة، وعجز تماماً عن إجراء مصالحة وطنية شاملة.

هذا إلى أن وضعها الاقتصادي بلغ حداً من التدهور يكون معه إعلان الحرب ضرباً من الهوس والجنون غير المتصور، وأيّاً يكن البادئ بالحرب فإنها متى أضرمت نارها ستكون كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لكن ما الذي تريـده إثيوبيا من إرتريا بالضبط؟.

إثيوبيا وإسقاط نظام أفورقي:

إن إثيوبيا تريد إسقاط (نظام أفورقي) وإزاحته من الوجود؛ فهوالمسؤول الأول في نظرها عن تفجير الأزمات مع الجيران، وأنه يريد أن يفرض ذاته «كسوبرمان في المنطقة عن طريق الضغط على جيرانه بالقوة» حسب تعبير وزير الخارجية الإثيوبي (سيوم مسفن) في مجلة المجلة عدد 1002 تاريخ 25/ 4 ـ 1/5/1999م.

وهذا مؤشر واضح في أن الصراع الحالي بين إسياس أفورقي، وملس زناوي ليس هو صراع حدود وإنما هو صراع وجود، كل منهما يستهدف منه وجود الآخر، وإذا كان من الصعب على (إسياس) -كما أرى- إسقاط نظام حليفه السابق (ملس زناوي) للعزلة السياسية المضروبة عليه إقليمياً، بل ودولياً، وللضائقة الاقتصادية التي تطوقه وتحدّ من فرص استمراره في هذا الصراع بنفس طويل، وللكراهية المتصاعدة من شعبه لنظام هو أسلوب إدارته فإن إسقاط (زناوي) له أكثر توقعاً واحتمالاً لما لإثيوبيا من قدرات تفوق قدرات إرتريا.

ولا أرى في تباطؤ إثيوبيا وتماطلها في رسم الحدود إلا بقصد إنهاك (أفورقي) وتأزيم مشكلاته الداخلية بكل صنوفها تعجيلاً بإطاحته، ومن ثم تشكيل إرتريا على النحو الذي يروق لها، ويتناسب مع مصالحها، وهذه الغاية الإثيوبية تجري بموافقة ومباركة حلفائها في (تجمع صنعاء السودان واليمن)؛ باعتبارهما تضررا من سياسات (أفورقي)، ولا يودان له البقاء على عرش الحكم.