بنية التضمين: "مهرجان المهابيل" لمحمد مسكين.. شعرية المحكي المسرحي مفتوحة على الواقع منه تستلهم الحكايات



يميز محمد مسكين في سياق توضيحه لمفوم الكتابة المسرحية النقدية، أو لما سماه بــ"مسرح النفي والشهادة"، بين نوعين من النصوص المسرحية العربية: نص الذاكرة وهو نص مرجعي خاضع لسلطة التراث، ونص النفي وهو نص ذو بعد معرفي وجمالي.

ويرى أن المسرح العربي وقع لفترة طويلة في مطب النص المرجعي مما فوت عليه فرصة ترسيخ مفهوم حقيقي للكتابة المسرحية يتعامل مع الواقع العربي بأدوات جمالية.

لذا، فإن نص النفي اعتبر، بالنسبة إليه، هوالنص البديل لأنه ينطلق من اعتبار الكتابة فعلا تاريخيا يتم بأدوات فنية.

إن صيغة هذا النص البديل تجد سندها في مفهوم خاص عن الكتابة المسرحية يشرحه مسكين قائلا: "إن الكتابة المسرحية لا تقف عند حدود البعد المعرفي وإلا تحولت درسا اجتماعيا باهتا.

إنها تكتسب مشروعيتها الإبداعية من خلال إخضاع هذا البعد المعرفي إلى قراءة جمالية.

إنها المعرفة الإبداعية الصادرة عن كنه العملية المسرحية نفسها. إن الكتابة المسرحية ممارسة لنوعين من الإدراك:
- إدراك عام للواقع ينبني على حدين أساسيين هما الجانب المعرفي والإيديولوجي.
- إدراك جمالي لهذا الإدراك الأول: أو إدراك الإدراك".

في سياق هذا الإدراك المزدوج ينبغي وضع نص "مهرجان المهابيل" باعتباره تجسيدا لما يسميه مسكين بنص النفي، بمكوناته الثلاثة: المعرفي، الإيديولوجي والجمالي.

لابأس من التذكير بأن بنية التضمين التي كشف عنها تودوروف Totorov بخصوص "ألف ليلة وليلة" تقوم على التمييز بين حكاية كبرى متضمنة Enchâssante هي حكاية شهرزاد الخاضعة لمبدأ "احكي حكاية وإلا قتلتك"، وحكايات متضمنة Enchâssés هي نفس الحكايات التي تتكون منها "ألف ليلة وليلة".

على غرار هذا التمييز، يقوم الحكي في "مهرجان المهابيل" حيث تقدم المسرحية حكاية كبرى هي حكاية شهرزاد التي تروي - بناء على طلب القاضي - جريمتها وتعيد سرد وقائعها.

ومجموع هذه الوقائع هو ما تتكون منه الحكايات الصغرى أو "السفرات" التي تتشكل منها المسرحية والتي يفضي بعضها إلى البعض الآخر.

إن بنينة محكي المسرحية على هذه الشاكلة جعلها تنخرط في مستويات لعبية متعددة بشكل حولها إلى إطار لخلق التكامل والانصهار بين الحكي واللعب.

وبين ثنايا هذا الانصهار يتحدد طموح النص في اقتراح شعرية حكائية للعب المسرحي تقوم على أساس إعادة بناء مسرحية لصيغة تراثية هي التضمين.

ويلعب المكون الدراماتورجي دورا أساسيا في هذه العملية مادام يقيم التقطيع المشهدي للحكاية على أساس متوالية لم نعهدها في التقليد المسرحي الغربي هي "السفرة".