نصيحة لمشاهدي الأفلام الإباحية .. الصبر، الدعاء، الإخلاص، الصوم، عدم التعرض للفتنة

اعْلَـمْ - رَحِمَكَ اللهُ - بِأنَّ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ البَدَنِ خُلِقَ لِفِعْلٍ خَاصٍّ، بِـهِ كَمَـالُهُ فِـي حُصُولِ ذَلِكَ الفِعْلِ مِنْهُ. وَمَرَضُهُ: أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيهِ الفِعْلُ الَّذِي خُلِقَ لَـهُ.

فَمَرَضُ اليَدِ: أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيهَا البَطْشُ.
وَمَرَضُ العَيـنِ: أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيهَا النَّظَرُ وَالرُّؤيَةُ.
وَمَرَضُ اللِّسَانِ: أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيهِ النُّطْقُ.
وَمَرَضُ البَدَنِ: أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيهِ حَرَكَتُهُ الطَّبِيعِيَّةُ.

وَمَرَضُ القَلْبِ: أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيهِ مَـا خُلِقَ لَـهُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللّٰـهِ وَمَـحَبَّتِـهِ وَالشَّوقِ إِلى لِقَائِهِ، وَالإِنَابَةِ إِلَيهِ(1)، وَالأُنْسِ بِـهِ، وَتَوحِيدِهِ وَالسُّرُورِ بِـهِ وَالابتِـهَاجِ بِحُبِّهِ، وَالرِّضَى عَنْهُ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وَالـحُبِّ فِـيهِ، وَالبُغْضِ فِـيهِ، وَالـمُوَالاةِ فِـيهِ، وَالـمُعَادَاةِ فِـيهِ، وَدَوَامِ ذِكْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ مَـا سِوَاهُ، وَأَرْجَى عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ مَـا سِوَاهُ، وَأَجَلَّ فِـي قَلْبِـهِ مِنْ كُلِّ مَـا سِوَاهُ(2)، وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَـى كُلِّ شَهْوَةٍ (3)، وَلا صَلاحَ لِلْقَلْبِ وَلا نَعِيمَ لَـهُ وَلا سُرُورَ وَلا لَذَّةَ، بَلْ وَلا حَيَاةَ لَـهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَهَذَا لَـهُ بِمَنْزِلَةِ الغِذَاءِ وَالصِّحَّةِ وَالـحَيَاةِ.

فَلَيسَ "لِلْقَلْبِ وَالرُّوحِ أَلَذَّ وَلا أَطيَبَ وَلا أَحْلى وَلا أَنْعَمَ مِنْ مَـحَبَّةِ اللّٰـهِ وَالإِقْبَالِ عَلَيهِ وَعِبَادَتِـهِ وَحْدَهُ، وَقُرَّةِ العَيـنِ بِـهِ وَالأُنْسِ بِقُرْبِـهِ وَالشَّوقِ إِلَـى لِقَائِهِ وَرُؤيَتِـهِ، وَصَاحِبُ هَذِهِ اللَّذَّةِ فِـي جَنَّةٍ عَاجِلَةٍ نِسْبَتُهَا إِلَـى لَذَّاتِ الدُّنيَا، كَنِسْبَةِ لَذَّةِ الـجَنَّةِ إِلَـى لَذَّةِ الدُّنيَا"(4).

وَكُلُّ مَنْ عَرَفَ اللّٰـهَ أَحَبَّهُ، وَأَخْلَصَ العِبَادَةَ لَـهُ وَلا بُدَّ، وَلَـمْ يُؤثِرْ عَلَيهِ شَيئاً مِنَ الـمَـحْبُوبَاتِ، فَمَنْ آثَرَ عَلَيهِ شَيئاً مِنَ الـمَـحْبُوبَاتِ؛ فَقَلْبُهُ مَرِيضٌ وَمَأسُورٌ، أَسِيـرُ شَهْوَتِـهِ وَهَوَاهُ.
فَكَيفَ يَسِيـرُ إِلى اللّٰـهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ: قَلْبٌ مَأسُورٌ مَسْجُونٌ مُقَيَّدٌ؟

وَمُشَاهَدَةُ الأَفْلامِ الـمَـاجِنَةِ وَالدُّخُولُ عَلَـى الـمَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، تِلْكَ فِتْنَةٌ كُبْرَى، وَبَلِيَّةٌ عُظْمَى، وَسُمٌّ قَاتِلٌ، وَدَاءٌ عُضَالٌ، وَمَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ القَلْبِ. «وَفِـيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالفَسَادِ مَـا لا يُـحْصِيهِ إِلَّا رَبُّ العِبَادِ»(5)، وَهُوَ مِنَ الأَمْرَاضِ التي تُفْسِدُ دِيـنَ صَاحِبِـهَا، ثُمَّ قَدْ تُفْسِدُ عَقْلَـهُ ثُمَّ جِسْمَهُ(6)، وَلَو سَلِـمَ مِنْ فِعلِ الفَاحِشَةِ الكُبْرَى، فَدَوَامُ تَعَلُّقِ القَلْبِ بِـهَا بِلا فِعْلِ الفَاحِشَةِ أَشَدُّ ضَرَراً عَلَيهِ، مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَنْباً ثُمَّ يَتُوبُ مِنهُ وَيَزُولُ أَثَرُهُ مِنْ قَلْبِـهِ(7).

ذَلِكَ بِأَنَّ إِصْرَارَ القَلْبِ على مَـحَبَّةِ مَـا يَكرَهُهُ اللّٰـهُ، نَقْصٌ في التَّوحِيدِ، وَهَوَ نَوعٌ مِنَ الشِّركِ الـخَفِـيِّ(8).
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ هَذَا البَلاءِ: إِعْرَاضُ القَلْبِ عَنِ اللّٰـهِ، فَإِنَّ القَلْبَ إِذَا ذَاقَ طَعْمَ عِبَادَةِ اللّٰـهِ وَالإِخْلاصِ لَـهُ، لَـمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيءٌ قَطُّ أَحْلَـى مِنْ ذَلِكَ(9).

وَسُئِلَ بَعْضُ العُلَـمـاءِ عَنْ عِشْقِ الصُّوَرِ؟ فَقَالَ: قُلُوبٌ غَفَلَتْ عَنْ ذِكْرِ اللّٰـهِ، فَابْتَلاهَا بِعُبُودِيَّةِ غَيـرِهِ(10).
وَالشَّيطَانُ "دَائِمـاً يَتَرَقَّبُ غَفْلَةَ العَبْدِ، فَيَبْذُرُ في قَلْبِـهِ بَذْرَ الأمَـانِي والشَّهَواتِ والـخَيَالاتِ البَاطِلَةِ، فَيُثْمِرُ كُلَّ حَنْظَلٍ وَكُلَّ شَوكٍ وَكُلَّ بَلاءٍ، وَلا يَزَالُ يُمِدُّهُ بِسَقْيِهِ حتَّى يُغَطِّيَ القَلْبَ وَيُعْمِيَهُ"(11).

وَلَو "لَـْم يَكُنْ لِلْقَلبِ الـمُشْتَغِلِ بِمَـحَبَّةِ غَيـرِ اللّٰـهِ الـمُعْرِضِ عَنْ ذِكْرِهِ مِنَ العُقُوبَةِ، إِلَّا صَدَؤُهُ وَقَسْوَتُهُ وَتَعطِيلُهُ عَمَّـا خُلِقَ لَـهُ، لَكَفْى بِذَلِكَ عُقُوبَةً"(12).
 وَأنْصَحُ مَنِ ابْتُلِيَ بِهَذَا البَلَاءِ بِخَمسَةِ أُمُورٍ:

الأَوَّلُ: الصَّبْرُ:
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الـخدريِّ رَضِـيَ اللّٰـهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "...وَمَـا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيـراً وَأَوسَعَ مِنَ الصَّبـرِ"(13).

وَعَلَـى الـمُبتَلى أَنْ يَصْبِرَ وَيَتَحَمَّلَ مَرَارَةَ الدَّوَاءِ، وَذَلِكَ أَصْعَبُ شيءٍ عَليهِ، وَلَيسَ لَـهُ أَنْفَعُ مِنْهُ. وَإِذَا تَلَـمَّحَ حَلاوَةَ العَافِـيَةِ، هَانَتْ عَليهِ مَرَارَةُ الصَّبـرِ.

فَلَيسَ لِـمَنْ قَدْ فُتِنَ بِمُشَاهَدَةِ تِلكَ الأَفْلامِ دَوَاءٌ مِثْلُ الصَّبـرِ، فَإِنْ صَبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةِ مَـا لا يُرْضِـي اللّٰـهَ نَجَا مِمَّـا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَإِنْ لَـمْ يَصْبِرْ سَقَطَ فِـيمَـا هُوَ شَـرٌّ مِنْهَا، فَدَامَتْ حَسَرَاتُهُ وَاشْتَدَّ أَلَـمُهُ وَعَذَابُهُ. فَلا يُنْكِرُ قُرْبَ الهَلاكِ.

وَقَد قِيلَ: الصَّبْرُ عَلَـى غَضِّ البَصَرِ، أَيسَرُ مِنَ الصَّبـرِ عَلَـى أَلَـمِ مَـا بَعْدَهُ(14).
فَكُلَّمَـا شَاهَدَ فِـيلْمـاً جَرَّهُ إِلى فِـيلْمٍ آخَرَ وَهَلُمَّ جَرَّا. فَمَثَلُهُ مَثَلُ عَطْشَانٍ شَـرِبَ مِنَ البَحْرِ، فَازدَادَ عَطَشاً. وَقَدْ يَفْعَلُ الفَاحِشَةَ وَالعِيَاذُ بِاللّٰـهِ. وَقَدْ يَأتِيهِ الـموتُ وَهُوَ عَلَـى ذَلِكَ، فَيَلْقَى اللّٰـهَ بِقَلْبٍ غَيـرِ سَلِيمٍ. وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَتَى اللّٰـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

الثَانِي: الدُّعَاءُ:
وَلْيُكْثِرِ «اللَّجَأَ وَالتَّضَرُّعَ إِلى مَنْ يُجِيبُ الـمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ، فِـي صَرْفِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلْيَطْرَحْ نَفْسَهُ بَيـنَ يَدَيهِ، مُسْتَغِيثاً بِـهِ، مُتَضَرِّعاً، مُتَذَلِّلاً، مُسْتَكِيـناً، ضَعِيفاً، لا قُوَّةَ لَـهُ وَلا قُدرَةَ وَلا حَولَ إِلَّا بِرَبِّهِ، فَمَتَى وُفِّقَ لِذَلِكَ فَقَد قَرَعَ بَابَ التَّوفِـيقِ.

وَلَعَلَّهُ مِنَ الـمُفِـيدِ جِدًّا أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الأَدْعِيَةِ التَّالِيَةِ:
1- عَنِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِـيَ اللّٰـهُ عَنْهُمـا قَالَ: قَالَ رَسولُ اللّٰـهِ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإيمَـانَ لَيَخْلَقُ فِـي جَوفِ أَحَدِكُم كَمَـا يَـخلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللّٰـهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَـانَ فِـي قُلُوبِكُم» (15).
يَخْلَقُ: أَي يَبْلَـى.
2- اللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ قَلْباً سَليمـاً، وَلِسَاناً صَادِقاً (16).
3- اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْـنَا الإِيمَـانَ وَزَيِّنْهُ فِـي قُلُوبِنَا، وَكَرِّه إِلَيْـنَا الْكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِيـنَ (17).
4- اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَـى طَاعَتِكَ (18).
5- اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَـهَا(19).
6- اللَّهُمَّ نَقِّ قَلْبِي مِنَ الـخَطَايَا كَمَـا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ(20).
7- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَـرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَـرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَـرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَـرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَـرِّ مَنِيِّي - يَعْنِي فَرْجَهُ -(21).
8- اللَّهُمَّ اغفِر ذَنبِي، وَطَهِّرْ قَلْبِي، وَحَصِّن فَرجِي(22).
9- يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَـى دِيـنِكَ (23).
10- يا وَليَّ الإسلامِ وَأَهْلِهِ، ثَبِّتْنِي بِـهِ حَتَّى أَلْقَاكَ(24).

الثَّالِثُ: الإِخلَاصُ:
 وَعَلَيْهِ أَنْ يَـرْجِعَ بِقَلْبِـهِ إِلَـى اللّٰـهِ، وَلَيْسَ دَوَاءٌ أَنْفَعَ مِنَ الإِخْلَاصِ للّٰـهِ، وَهُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللّٰـهُ فِـي كِتَابِـهِ حَيْثُ قَالَ: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الـمخلصيـن) [يوسف: 24].

"فَاللهُ يَصْرِفُ عَنْ عَبْدِهِ مَـا يَسُوءُهُ مِنَ الْمَيْلِ إِلَـى الصُّوَرِ وَالتَّعَلُّقِ بِـهَا، وَيَصْرِفُ عَنْهُ الْفَحْشَاءَ بِإِخْلَاصِهِ للّٰـهِ"(25).

فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا خَلَصَ وَأَخْلَصَ عَمَلَـهُ للّٰـهِ، لَـمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ عِشْقُ الصُّوَرِ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَـا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَلْبٍ فَارِغٍ، كَمَـا قَالَ:
أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى -- فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِيًا فَتَمَكَّنَا(26)

وَلِهَذَا تَجِدُ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ مُخْلِصًا للّٰـهِ مُنِيبًا إِلَيْهِ مُطْمَئِنًّا بِذِكْرِهِ، مُشْتَاقًا قَلْبُهُ إِلَـى لِقَائِهِ، مُنْصَرِفًا عِنْ هَذِهِ المُحَرَّمَـاتِ، لَا يَلْتَفِتُ إِلَيهَا، وَلَا يُعَوِّلُ عَلَيهَا(27). كَالمَشْغُولِ بِالجَوهَرِ إِذَا لاحَتْ لَهُ قُشُورُ البَصَلِ، بِخِلافِ مَا إِذَا عُدِمَ هَذِهِ الحَلاوةَ الإيمَانِيَّةَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَمِيلُ إلى شَيءٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ(28).

فَلَا تَزُولَ الْفِتْنَةُ عَنِ الْقَلْبِ إِلَّا إِذَا كَانَ دِيـنُ الْعَبْدِ كُلُّهُ للّٰـهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَكُونُ حُبُّهُ للّٰـهِ وَلِـمَـا يحِبُّهُ اللّٰـهُ، وَبُغْضُهُ للّٰـهِ وَلِـمَـا يُبْغِضُهُ اللهُ(29).

الرَّابِعُ: الصَّوْمُ:
عَنْ عَبدِ اللّٰـهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِـيَ اللّٰـهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَـرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإنَّهُ أَغَضُّ للبَصَرِ وَأَحْصَنُ للفَرْجِ؛ وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ، فَعَليهِ بِالصَّومِ، فَإِنَّهُ لَـهُ وِجَاءٌ"(30).
فَهَذَا دَوَاءٌ نَافِعٌ "وَقَلَّ مَنْ أَدْمَنَ الصَّوْمَ، إِلَّا وَمَـاتَتْ شَهْوَتُهُ، أَوْ ضَعُفَتْ جِدًّا"(31).

الـخَامِسُ: عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ.
إنَّ العَبْدَ ضَعِيفٌ، وَمَهْمَا بَلَغَتْ مَنْزِلَتُهُ لا يَأمنُ على نَفْسِهِ الفِتْنَةَ، وَيَخْشَى أَنْ تَجْرِفَهُ رِيَاحُ الأَهْوَاءِ وَالفِتَنِ. وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا بِأَنَّ مَثَلَ القَلْبِ كَرِيشَةٍ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ. فَهَلْ يَلِيقُ بِالعَاقِلِ أَن يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْفِتَنِ؟!

فَيَجِبُ عَلَـى الإِنْسَانِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ مَوَاطِنِ الْفِتَنِ، وَيَفِرَّ مِنْهَا فِرَارَهُ مِنَ الأَسَدِ، حَتَّى لَا يَقَعَ فِـيهَا.
فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ وَقَعَ مَوَاقِعَ الْفِتَنِ، وَهُوَ يَـرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ سَيَتَخَلَّصُ، ثُمَّ لَا يَتَخَلَّصُ.

حَتَّى إِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْهُ، حَتَّى لَا يَقَعَ فِـي فِتْنَتِـهِ.
قَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ»(32).

فَمَـا اسْتُعِيـنَ عَلَـى التَّخَلُّصِ مِنَ الشَّرِّ بِمِثلِ الْبُعْدِ عَنْ أَسْبَابِـهِ وَمَظَانِّهِ(33).
فَاحْذَرْ - رَحِمَكَ اللّٰـهُ - مِنَ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِلْفِتْنَةِ، فَبَعِيدٌ أَنْ يَسْلَـمَ مَنِ اقْتَرَبَ مِنَ الْفِتْنَةِ.

وَكَمَـا أَنَّ مَنِ اقْتَرَبَ مِنَ النَّارِ أَصَابَهُ مِنْ حَرِّهَا وَوَهْجِهَا، كَذَلِكَ «الشَّهْوَةُ مِثْلُ النَّارِ: إِذا أَضْرَمَهَا صَاحِبُهَا، بَدأَتْ بِإِحْرَاقِهِ»(34). فَإِنَّ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْحَطَبِ الَّذِي يُمِدُّ النَّارَ وَيُوْقِدُهَا، وَلِهَذَا: كُلَّمَـا كَثُرَتِ الْخَطَايَا اشْتَدَّت نَارُ الشَّهْوَةِ فِـي الْقَلْبِ»(35).فَأيُّ نَعِيمٍ لِـمَنْ قَلْبُهُ يَغْلِي بِالْخَطَايَا وَالشَّهَوَاتِ؟ وَأَيُّ سُرُورٍ لِـمَنْ يَلْتَهِبُ فُؤَادُهُ بِمَـحَبَّةِ مَـا يَكْرَهُ اللهُ؟ وَأَيُّ حَيَاةٍ لِـمَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالزَّانِيَاتِ؟ وَأَيُّ عَاقِبَةٍ وَفَلَاحٍ لِـمَنِ انْقَطَعَ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّ الْبَرِيَّاتِ؟

وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَـهُ، فَقَدْ فَتَحَ عَلَـى نَفْسِهِ بَابَ العَطَبِ، فَهُوَ إِلَـى الهَلَاكِ أَدْنَى مِنْهُ إِلَـى السَّلَامَةِ.
«وَيَحْتَاجُ الـمُسْلِـمُ فِـي ذَلِكَ إِلَـى أَنْ يَخَافَ اللّٰـهَ، ويَنْهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى، وَنَفْسُ الْهَوَى والشَّهْوَةِ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَـى اتِّبَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِـهِ، فَإِذَا كَانَتِ النَّفْسُ تَهْوَى وَهُوَ يَنْهَاهَا، كَانَ نَـهْيُهُ عِبَادَةً للّٰـهِ، وَعَمَلًا صَالِـحًا»(36).

عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِـيَ اللّٰـهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِـي طَاعَةِ اللّٰـهِ»(37).

فَيُؤْمَرُ بِجِهَادِهَا كَمَـا يُؤْمَرُ بِجِهَادِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعَاصِي وَيَدْعُو إِلَيْهَا، وَهُوَ إِلَـى جِهَادِ نَفْسِهِ أَحْوَجُ، فَإِنَّ هَذَا فَرْضُ عَيْـنٍ، وَذَاكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَالصَّبْرُ فِـي هَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَـالِ، فَإِنَّ هَذَا الـجِهَادَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الـجِهَادِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَيْهِ صَبَرَ عَلَـى ذَلِكَ الـجِهَادِ(38).

وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِـهَذَا الكَلامِ «مَنْ في قَلْبِـهِ بَعْضُ حَيَاةٍ يَـحُسُّ بِـهَا، فَأَمَّـا مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ، وَعَظُمَتْ فِتْنَتُهُ؛ فَقَد سَدَّ عَلَـى نَفْسِهِ طَرِيقَ النَّصِيحَةِ: ﴿ومن يـرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً. أولئك الذيـن لم يـرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ [المائدة: 41]»(39).

وَفِـي خِتَامِ الرَّدِّ عَلَـى السُّؤَالِ، نَقُولُ لِـمَنْ تَلَطَّخَ بِشَيءٍ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ: «لَا يَصْلُحُ لِقُربِ اللّٰـهِ إِلَّا طَاهِرٌ. فَإِنْ أرَدْتَ قُرْبَهُ وَمُنَاجَاتَهُ الْيَوْمَ فَطَّهِرْ ظَاهِرَكَ وبَاطِنَكَ لِتَصلُحَ لِذَلِكَ، وَإِنْ أَرَدْتَ قُرْبَهُ وَمُناجَاتَهُ غَدًا فَطَهِّرْ قَلْبَكَ مِنْ سِوَاهُ لِتَصْلُحَ لِـمُجَاوَرَتِـهِ ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَـالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:88 - 89]»(40).

تُبْ إِلَـى رَبِّكَ تَوبَةً نَصُوحاً مَـا دُمْتَ فِـي مُدَّةِ الإِمْكَانِ، وَاحْذَرْ مِنَ الإِقَامَةِ عَلَـى مَـا يُسْخِطُ الْمَوْلَـى مِنَ الإِصْرَارِ عَلَـى العِصْيَانِ(41).

عَنْ عَبْدِ اللّٰـهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِـيَ اللّٰـهُ عَنْهُمَـا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "...وَيلٌ للـمُصِرِّيـنَ الذيـنَ يُصِرُّونَ عَلَـى مـا فَعَلُوا وَهُم يَعْلَـمُونَ"(42).
فَنَسأَلُ اللّٰـهَ الـحَيَّ القَيُّومَ ذَا الـجَلالِ وَالإِكْرَامِ، العَافِـيَةَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَبَلاءٍ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

(1) إغاثة اللهفان (1/68).
(2) زاد الـمعاد (4/202).
(3) إغاثة اللهفان (1/68).
(4) روضة الـمحبيـن (ص180).
(5) مجموع الفتاوى (10/187).
(6) مجموع الفتاوى (10/132).
(7) مجموع الفتاوى (10/187).
(8) انظر: جامع العلوم والـحكم (1/524-525).
(9) مجموع الفتاوى (10/187).
(10) مفتاح دار السعادة (1/374).
(11) مفتاح دار السعادة (1/375).
(12) روضة الـمحبيـن (ص182).
(13) رواه البخاري (1469)، ومسلـم (1053).
(14) الداء والدواء (ص179).
(15) رواه الـحاكم (1/4)، وحسنه الألباني رحمه الله فِـي «الصحيحة» (1585).
(16) رواه الطبـراني فِـي «الكبيـر» (7135)، وجوَّد إسناده العلامة الألباني رحمه الله فِـي «الصحيحة» (3228).
(17) رواه البخاري فِـي الأدب الـمفرد (699)، وصححه الألباني رحمه الله فِـي «صحيح الأدب الـمفرد» (541).
(18) رواه مسلـم (2654).
(19) رواه مسلـم (2722).
(20) رواه البخاري (6377)، ومسلـم فِـي "48-كتاب الذكر والدعاء" [49- (589)].
(21) رواه الترمذي (3492)، وصححه الألباني رحمه الله فِـي «صحيح سنن الترمذي» (2775).
(22) يدل عليه دعاء النبي صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ للفتى الشاب، الذي أتى النبي صَلَّى اللّٰـهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنى...قال: فوضع يده عليه، وقال: «اللَّهُمَّ اغفِر ذنبَهُ، وطهِّر قلبَهُ، وحصِّن فرجَهُ» فلـم يكن بعد ذلك، الفتى يلتفت إِلَـى شيء. رواه أحمد (5/256-257)، وصححه الألباني فِـي "الصحيحة" (370).
(23) رواه الترمذي (2140)، وصححه الألباني رحمه الله فِـي «صحيح سنن الترمذي (2/444).
(24) رواه الطبـراني فِـي "الأوسط" (661)، وحسنه الألباني فِـي "الصحيحة" (1823).
(25) مجموع الفتاوى (10/188).
(26) الداء والدواء (ص324-325).
(27) موارد الأمـان (ص433-434).
(28) شرح  حديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (ص33).
(29) مجموع الفتاوى (10/601).
(30) رواه البخاري (5066)، ومسلـم (1400).
(31) روضة الـمحبيـن (ص230).
(32) رواه أبو داود (4319)، وصححه الألباني رحمه الله فِـي "صحيح سنن أبي داود" (3629).
(33) عدة الصابـريـن (ص86).
(34) فوائد الفوائد (ص290).
(35) انظر: موارد الأمـان (ص117).
(36) مجموع الفتاوى (10/635).
(37) قطعة من حديث: أخرجه أحمد (6/21و22)، وابن حبان (4862)، والـحاكم (24)، وصححه الألباني فِـي "الصحيحة" (549).
(38) مجموع الفتاوى (10/635-636).
(39) موارد الأمان (ص313).
(40) انظر: اختيار الأولى (ص67)، لابن رجب رحمه الله.
(41) الـمجموعة الكاملة لـمؤلفات العلامة السعدي (6/276).
(42) قطعة من حديث أخرجه البخاري فِـي "الأدب الـمفرد" (380)، وصححه الألباني رحمه الله فِـي "صحيح الأدب الـمفرد" (239).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال