الطائرة ما تزال محلقة في الجو.. في حضرة صاحب السعادة قوت الأولياء والصالحين وطارد الكسل والخمول وباعث الحيوية والنشاط وجامع الناس

عندما يدخل  إلى الأسواق ويسمع الناس بصوت السيارات التي تحمله ترتسم الفرحة على الوجوه ويتنافس الجميع علي الترحيب به ويأنس بمجيئه , و تزداد حفاوة الاستقبال كلما تأخر قليلاَ عن موعده  ففي هذه الحالة أحاديث الناس كلها تدور حوله ليصبح حديث الساعة والشغل الشاغل وتنتشر حمي الشائعات وتنطلق برامج التحليلات والفتاوى حول هذا الحدث الجلل متخذة من طاولات القات محطات للبث وهي محاطة بأمواج بشرية شاخصة أبصارها إلي الأعلى وكأني بالقوم يؤدون صلاة  الاستسقاء, وهم الجميع الاطمئنان  على أخبار ليلي إثيوبيا الخضراء " سبب  التأخر , وموعد الوصول " و تجرى مكالمات هاتفية مع سلطات المطار هنا وهناك ويبدأ التنجيم  وقراءة الفناجين وحملة التهام الأخضر واليابس والبيوت قد أخرجت أثقالها والفوضى ضاربة أطنابها وحشود المترقبين عاقدة في الشوارع إحرامها ويلوح في الأفق شبح طائر أو طائرة  ثم تظهر طلائع القادم المنتظر وتختلط صيحة الفرح بلعاب الرغبة والغبار الذي يثيره موكب حصاد (هوداي) فيدخل دخول الفاتحين  ويحظى باستقبال البطل المنتصر في ساحة الوغى, و تدب الحيوية في خلايا البشر والحجر  , وتتعطل حركة المرور  من أجله لأن الكل  يهرول إليه  تاركاَ وراءه كل شيء , الأسبقية في اجتياز الشوارع وسط هذه الزحمة التي خلفها تكون له دائماَ إن المارة والسيارات تفسح له المجال للمرور ,و كأن قوانين المرور وضعت لغيره وفي هذه الأجواء المرحبة به يستقر في الموائد المعدة له محاطا من كل جانب ,و تتشابك الأيدي للظفر به.
ويبدأ التخزين هذه الممارسة اليومية التي لا يكون لها حدود ,لدي البعض الذي يصبح عليه ولا يفتح عينيه جيدا إلا به, فبعد تناول وجبة الغذاء يحل في فم كل واحد , وسيد جميع المجالس فتدب نشوة المرقان فتبعث النشاط والكسل معا وتطلق اللسان والشرود في آن واحد   وتبني  عالما من الخيال ,وتضرم النار في الإحساس بالزمن.
ليكون لهذه  الأوراق الخضراء الصغيرة في الحجم والكبيرة من حيث التأثير  سلطان قاهر على المخزنين وتسيطر عليهم بالحديد والنار, حتى أنه لم يعد  بمقدور أحد منهم الانفكاك منها, وإذا سولت له نفسه يوما التغريد خارج السرب, تكون له جنود (الذباب) الكوابيس بالمرصاد   لتعيده  إلى رشده.
ويبدو أن الخوف من القوة الكابوسية لهذه النبتة السحرية وخشية العرسان من أن تفسد عليهم ليلة العمر (الدخلة)هو السبب في هيمنة توزيع القات في مناسبة عقد القران لتصبح هذه العادة المستوردة (التخزين) ثقافة جيبوتية صرفة ...وكفى الله العرسان شر(الدباب)
ولكن ما الداعي لتداولها في المآتم أيضا فهل الموتي يتعرضون للكوابيس أم أن هذا العشب - الذي يحلو للبعض أن يسميها قوت الذاكرين- وتوزيعه يدخل في حيز  الصدقة الجارية التي يخلفها الميت.
ويستمر مسلسل الاقتحامات والتغلغل في كل المواسم والمناسبات
..إذ يأتي القات بعد  ذلك  ليأخذ مساحته وموقعه ضمن الوسائل المساعدة على المواجهة والتحمل للحر والفراغ فينضم إلى قائمة الرعايا الرسميين المحاربين القدامى في ساحة القات رعايا جدد يصبح بعضهم رسمياً والبعض الآخر يصبح خارج القائمة بمجرد انتهاء هذه الفترة.
بالإضافة إلي كونه أحد البهارات الخاصة التي نحلي بها عيدنا تخزينة سعيدة  بصحة العيد السعيد يقبل عليها الجميع من أصحاب الخبرات الطويلة في رياضة الفكين والمبتدئين أيضاً الذين لا يمارسون هذه الرياضة إلا في هذا اليوم.
ولعل هذا الحرص الشديد من قبل الغالبية العظمى على أن يشهدوا الساعة السليمانية (المرقان) في حضرة صاحب السعادة قوت الأولياء والصالحين وطارد الكسل والخمول وباعث الحيوية والنشاط وجامع الناس.
نعم كل هذه الحيثيات تكون السبب المباشر في أن تكون أجواء الترحيب بالشجر الأخضر والفرحة بمقدمه والهرولة نحوه والتجمهر حول موائده أهم المظاهر المسيطرة على ساحتنا ولدى من كان لهم نصيب في هذه الأوراق الطيبة التي نجدها بجانبنا في أفراحنا لتفجرها وفي أحزاننا لتخففها وتدفعها إلى التلاشي باستحضار الحالة السليمانية.ولكنه كان للأربعاء الأخير شأن آخر.
جمال أحمد