القوى الفاعلة في رواية اللص والكلاب.. شخصيات سعيد مهران وعليش ونبوية ورؤوف



القوى الفاعلة في رواية اللص والكلاب:

القوى الفاعلة هي صانعة الحدث.
وأول هذه القوى الشخصيات والبداية كانت مع سعيد مهران بطل الرواية، ضحية مؤامرة الغدر والخيانة.
خرج من السجن ليثأر من الكلاب.
بدأ في تنفيذ ما عزم عليه من انتقام وثأر، محتميا مع كل واقعة بنور حتى تهدأ العاصفة ويسترجع أنفاسه، ويتحرك من جديد مع جريمة ثانية.

فشل سعيد مهران:

إلا أن الفشل كان يلاحقه في كل مرة، فيفقد التركيز والقدرة على التحرك بحرية مما عجل بنهايته.
ويعتبر عليش صبي سعيد بطل المؤامرة.
أوقع بسعيد في السجن ليظفر بالمال ونبوية الزوجة الخائنة التي تواطأت مع عليش للتخلص من سعيد.

أما رؤوف، صديق سعيد الذي زرع فيه مبادئ التمرد على المجتمع والطبقية وتنكر لها ولصديقه، فقد تحول إلى عامل معاكس.
حرض الرأي العام وشدد الخناق على سعيد بمقالاته الصحفية المبالغة في تضخيم الحدث.
ويصبح عامل موضوع عندما أصبح مستهدفا في عملية الانتقام ليزداد قوة كعامل معاكس أحبط خطة سعيد وأزم وضعيته.

ما هي القوة الفاعلة؟

القوة الفاعلة هي كل عنصر، مهما كانت طبيعته، يؤثر في سير الأحداث وتناميها وفي تطور الشخصيات وتوجهاتها..
وبالنسبة إلى رواية اللص والكلاب، نجد قائمة من القوى الفاعلة تختلف من حيث الطبيعة، ويمكننا توزيعها إلى قوى آدمية وأخرى غير آدمية:

1- القوى الآدمية:

- سعيد مهران:

شاب مصري شبه مثقف، ينتمي إلى الفئات المقهورة.. تحمل مسؤولية العناية بأمه بعد موت أبيه العم مهران حارس عمارة الطلبة.. يؤمن بالعدالة والمساواة وحق الفقراء في العيش الكريم.. لذلك كان يناضل من أجل تحقيقها عبر مسار سرقة الأغنياء بإيعاز من رؤوف علوان.. وحين وشت به نبوية وعليش وأدخل السجن، خرج بعفو في عيد الثورة ليجد أن واقع ما قبل الثورة هو نفسه واقعها وأكثر.. حتى أولئك الذين ناضلوا من أجل تحقيق العدالة مثل رؤوف علوان أصبحوا من الأغنياء واستفادوا من الوضع الجديد .. تحول س مهران من مناضل يؤمن بالقيم الاشتراكية إلى منتقم من الخونة شديد الحقد عليهم .. تطيش رصاصاته ويطارد ليستسلم في قرافة باب النصر بلا مبالاة ..

- نبوية:

امرأة ذات جمال فلاحي تعلق بها قلب سعيد مهران حين كانت تعمل خادمة لدى سيدة تركية عجوز.. نبتت في طينة نتنة اسمها الخيانة.. تزوجها وأنجب منها بنته سناء.. كانت تساعده في سرقة بيوت الأغنياء حتى أصبح ذا مال وأعوان.. لكنها خانته مع عليش ووشيا به ليدخل السجن.. وبذلك استحقت جزاء خيانتها للعشرة، وهو الانتقام.. هي نموذج للمرأة الخائنة المتقبلة في عواطفها.

- عليش:

أحد أتباع س مهران وخدامه.. خانه مع زوجته نبوية فسرقها وسرق معها بنته سناء وماله وبعضا من كتبه.. كان قبلها يتمسح في ساق س مهران كالكلب، وهو من علمه الوقوف على قدمين.. ولذلك استحق هو الآخر أن ينال جزاء خيانته للصحبة.. هو نموذج للشخصية الانتهازية الوصولية التي تستغل ظروف الآخرلتحقق مصالحها..

- رؤوف علوان:

طالب بدوي كان يسكن عمارة الطلبة حيث كان س مهران يساعد أباه.. هو من أشار على العم مهران أن يدخل سعيدا المدرسة وظل يساعده.. وحين ضبطه وهو يسرق طالبا لم يوبخه على السرقة، بل وجهه إلى سرقة الأغنياء الذين كان يرى في غناهم غنى على حساب الفقراء.. فهم لصوص تنبغي استعادة ما سرقوه بسرقة أموالهم .. لكنه ومع قيام الثورة استفاد من الواقع الفاسد الذي أفرزته فأصبح من الأغنياء وتنكر لمبادئه النضالية الثورية وتنكر لسعيد مهران حين خيره بين أن يكون صديقا أو لصا على ألا يكونهما معا.. يخاطبه س مهران في قرارة نفسه قائلا: ’’تخلقني ثم ترتد، تغير بكل بساطة فكرك بعد أن تجسد في شخصي، كي أجد نفسي ضائعا بلا أصل وبلا قيمة وبلا أمل، خيانة لئيمة لو اندك المقطم عليها دكا ما شفيت نفسي‘‘.. ولذلك ضمه سعيد إلى لائحة الخونة الذين استحقوا جزاء خيانتهم التي أسقطتهم في منزلة الكلاب.. ورؤوف علوان نموذج للمثقف المصري المناضل والانتهازي الذي تنكر لمبادئه النضالية فكان لتنكره أثر بالغ على الوضع المعيشى للفئات المقهورة..

تشكل نبوية وعليش ورؤوف علوان بنية تحكمها علاقة التشابه ووحدة موضوع الخيانة ثم التحول.. فهي متشابهة لأنها خائنة وضحية خيانتها هو س مهران وبذلك فهي قوى متحولة واقعها ما قبل الثورة ليس هو واقعها بعد الثورة..

تربط بين سعيد مهران وبين نبوية وعليش ورؤوف علوان علاقة خيانة وانتقام.. نبوية خانت الزوجية وعليش خان الصحبة ورؤوف خان المبادئ، وس مهران يتبنى مشروع الانتقام منهم..

- الشيخ علي الجنيدي:

متصوف منقطع في حوش يرتاده أهل الذكر ومنهم العم مهران.. آوى إليه سعيد بعد أن عاد خاوي الوفاض مما كان يطمع في استرجاعه من مال وابنته.. لكن الشيخ كان يتمتم بكلمات لم يفهمها سعيد.. حاول أن يشكو إليه مصابه لكن الشيخ كان يصر على إخراجه من سجن غيه بالوضوء والصلاة وهو ما يبدو من خلل هذا الحوار:
الشيخ: خذ مصحفا واقرأ..
سعيد: غادرت السجن اليوم ولم أتوضأ..
الشيخ: توضأ واقرأ
سعيد: أنكرتني ابنتي، وجفلت مني كأني شيطان، ومن قبلها خانتني أمها!
الشيخ: توضأ واقرأ
سعيد: خانتني مع حقير من أتباعي، تلميذ كان يقف بين يدي كالكلب...
الشيخ: توضأ واقرأ..
يكشف هذا الحوار عن تباين بين رغبة سعيد وبين رغبة الشيخ كما يكشف عن الخواء الروحي لسعيد مهران.. ففكره وقلبه ووجدانه لا يتسع لغير محنته التي ولدت لديه الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام.. وبذلك يشكل الشيخ علي الجنيدي ذلك الضمير الغائب المحرر لسعيد من سجن فكرة الانتقام الذي هو ليس أهون من سجن الحكومة..

- طرزان:

صديق لسعيد مهران وله مقهى يتخذ منها وكرا لكل أشكال الممارسات الممنوعة.. يساعد سعيد في الحصول على المسدس والرصاص وينذره بالخطر حين يرتاد مقهاه.. هو مثال للصداقة البريئة الخالصة..

- نور:

امرأة متوسطة الجمال حكمت عليها ظروف القهر الاجتماعي باحتراف الدعارة.. تستسلم لنزوات الزبائن الذين غالبا ما يضربونها ويعتدون عليها.. أحبت سعيد مهران لكنه فضل عليها نبوية.. وحين التقاها في مقهى طرزان ساعدته في السطو على سيارة ابن صاحب المعمل ووفرت له بيتها مخبأ وكانت تزوده بالطعام والسجائر والجرائد وأمدته بثوب خاط منه بدلة عسكري.. كانت تلح عليه أن يتجنب فكرة الانتقام والقتل وتشير عليه بالزواج منها والعيش بعيدا.. لكن سعيدا لم يكن ليلفت إلى رغبتها وإن كان يغضب حين يعتدى عليها.. باختفاء نور استسلم سعيد بلا مبالاة في القرافة المجاورة لبيتها لأنها تشكل الطريق الآخر الذي كان ينبغي أن يسلكه س مهران بدلا عن الانتقام.. فهي والشيخ علي الجنيدي يمثلان القيم التي يفتقر إليها سعيد مهران: التوازن النفسي والروحي ثم الابتعاد عن فكرة الانتقام..

يشكل طرزان والشيخ ونور بنية ثانية تحكمها علاقة مشابهة أيضا على مستوى الثبات (واقعهم قبل الثورة هو نفسه بعدها) وعلى مستوى الوفاء لسعيد وعدم خيانته.. وبين بنية نبوية وعليش ورؤوف علوان وبين بنية طرزان والشيخ الجنيدي ونور علاقة تشابه وتعارض .. فهما متشابهتان من حيث عدد العناصر (ذكران وأنثى) (عليش ورؤوف ونبوية) و(ذكران وأنثى) (الشيخ وطرزان ونور)، ومتعارضتان حيث خيانة الأولى وتحولها ووفاء الثانية وثباتها.. ثم هما متعارضتان أيضا بحكم إسناد صفات الكلاب إلى الأولى لتحقيرها وإغفال الثانية لتنزيهها..

- سناء:

ابنة سعيد مهران من نبوية.. حين عاد لاسترجاعها بعد خروجه من السجن جفلت منه ولم تعرفه فحز ذلك في نفسه وهو الذي يحلم بالعيش معها.. لذلك فهي تشكل موضوع نزاع بين سعيد الأب الطبيعي، وعليش الأب المزيف الذي أفرزته الخيانة.. هي رمز للبراءة المغتصبة وتكاد تشكل فئة قائمة الذات رغم التقاطع بينها وبين نور من حيث دلالة الاسم..

2- القوى غير الآدمية:

الحبكة في اللص والكلاب بنيت كما سبق على ثلاثة أفعال هي الخيانة (الفعل) والانتقام (رد الفعل) والاستسلام (النتيجة).. وهكذا تبقى الخيانة هي القوة الفاعلة غير الآدمية الرئيسة وما تبقى إفرازا لها..

- الخيانة:

تتخذ في الرواية ثلاثة مظاهر: خيانة العشرة والزوجية ( نبوية)، وخيانة الصحبة والفضل (عليش)، وخيانة المبادئ (رؤوف علوان).
أثرها في سعيد مهران يتجلى في دفعه إلى الانتقام.

- السجن (بفتح السين):

كان عاملا في تأجيج سخط س مهران على نبوية وعليش، وهو يشكل نقطة تحول في مساره من مناضل متشبع بالقيم الثورية إلى مجرد راغب في الانتقام..

- الصحافة:

كانت عاملا في التشويش عليه ودفع الشرطة للبحث عنه..
- الإحساس بالضياع: كان إحساس س مهران بالضياع نتيجة لعدم تقبله الخيانة ونتيجة ضياع كل شيء: لاأحد ينتظره عند الخروج من السجن، ابنته سناء جفلت منه، عليش سرق زوجته وماله، والشيخ الجنيدي لا يكترث لشكواه..

- الحقد والكراهية:

هما أيضا نتيجة للخيانة والإحساس بالضياع، ودافع إلى الانتقام.

- الانتقام:

هو موضوع بحث الذات (سعيد مهران) التي ترتبط به برابط الرغبة..
تضافرت هذه القوى الفاعلة غير الآدمية لتصنع فشل مشروع س مهران بقيادته إلى الاستسلام كما يبدو من خلل البنية العاملية..

3- البنية العاملية:

  • المرسل: الخيانة والإحساس بالضياع.
  • المرسل إليه: س مهران.
  • الذات: سعيد مهران.
  • الموضوع: الانتقام.
  • المساعد: طرزان ونور والشيخ الجنيدي.
  • المعارض: طيش الرصاص والعفوية..

يتضح من خلال هذه الخطاطة ما يلي:
  • العامل الذات هو س مهران الذي بدافع عدم قبول الخيانة وبدافع الإحساس بالضياع برغب في الانتقام.. وهنا نلمس رد فعل مبني على الانفعال والعاطفة..
  • العامل المرسل إليه هو س مهران (سعيد مهران = عامل ذات + عامل مرسل إليه).. وهنا نلمس أن المستفيد من بلوغ الذات موضوع بحثها هو س مهران نفسه وذلك يدل على طبيعة عمله الفردي خارج الإطار الجماعي..
  • العامل المعارض كان أكثر فاعلية من العامل المساعد ولذلك كان السقوط..