يبدأ المراهق في تدخين السجائر أو تناول القات في غالب الأحيان اقتداءً برفقاء السوء الذين يعيش معهم في نفس الحارة، لإبراز شجاعته، وإظهار قدراته، واستعراض عضلاته الفتية، وكأنه يقول لمن حوله: انظروا إليّ، ها أنا ذا قد كبرت، وتجاوزت مرحلة الصبا، فقد أفل نجمها إلى غير رجعة.
فتدخين اللفافة، وهضم كمية جيدة من القات يعدّ في نظر المراهق تكملة للرجولة التي طال انتظارها وذلك دون أن يعير أدنى اهتمام بالأضرار الجسيمة التي تترتب على تعاطي هذه المواد..
فالرجولة هي المحك.. ولا وزن بعدها لأيّ مخاطر يمكن أن يتعرض لها الجسم.. وأخيراً يصير هذا الشاب المسكين مدمناً للقات والسجائر بحيث لا يتمكن بعدها أبداً من الإقلاع عن تناولهما مهما حاول اللهم إلا من رحم ربك..
أين دور الأمهات في تربية الأبناء؟!
أين سلطة الآباء والمسئوليات الملقاة على عاتقهم؟!
أين دور المدرس والمدرسة في توجيه التلاميذ وإرشادهم؟!..
أسئلة حائرة ومازال الجواب مجهولاً..
إن كثيراً من المدخنين لا يقيمون للمشاعر الإنسانية أيّ وزن - ولا يعرفون عن الآداب العامة أو الذوق شيئاً.. وكل ما يهمهم إرضاء رغباتهم وأهوائهم في كل زمان ومكان.. ولتذهب الآداب العامة إلى الجحيم...
خلقنا أحراراً ويجب علينا أن نمارس حريتنا بشكل كامل.. ترى الواحد منهم ما أن تطأ قدماه على متن الحافلة حتى يسرع في إشعال اللفافة ونفث سمومها على كل الركاب دون أن يبالي بهم.. ودون أن يلتفت إلى تصرفه هذا الذي قلّ ما أقول عنه: إنه تصرف مشين بعيد عن المدنيّة والتحضّر بعد المشرقين..
ومما يزيد الطين بله أنّ هذا المدخن يرى أنه على الصواب.. فهو يمارس حقاً مشروعاً لا غبار عليه.. وأنّ الذين يطالبونه بالتوقف عنه متخلفون وبعيدون عن السبيل القويم.. وهم في حاجة أن ينهلوا من مناهل الحضارة العالمية الحديثة الشيء الكثير وأن يواكبوا العصر الذي ينتمون إليه..
وعن سائقي الحافلات تحدث ولا حرج وعلى الرغم من أن الحكومة أصدرت قراراً يمنع تدخين السجائر في المرافق العامة وعلى متن الحافلات إلا أن أعداداً هائلة من المدخنين مازالوا مصرين على المضيّ قدماً في طريقهم القديم ويرون أن هذا القرار فيه إجحاف وتعسف بحقهم المشروع.. ولن يرى النور مهما طال الزمن.. وأنه يتصادم مع الحرية الشخصية التي يتمتع بها كل فرد من أفراد المجتمع..
وأنا لا أطالب أحداً في هذه العجالة بأن يتوقف عن التدخين.. لأن أضرار التدخين معروفة للجميع.. ولكنني أطلب من السادة المدخنين أن يعلموا أنه لا توجد حرية شخصية مشرعة الأبواب إلى ما لا نهاية فحرية المرء تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين..
ثم لماذا كل هذه الأنانية وحب الذات على هذه الدرجة؟
ولماذا يشرب المدخن وحده وهو على متن الحافلة ولا يبالي بالآخرين أو يقدر ظروفهم أو أوضاعهم المتباينة تماماً؟..
لماذا لا يعاملهم كما يحب أن يعاملوه به؟..
هل يرضى هذا المدخن على سبيل المثال أن يقعد إلى جانبه سكران يحمل قارورة الويسكي؟
أم أنّ هذه تختلف عن تلك..
إن من حق المدخن أن يدخن ما شاء له أن يدخن، ولكن من حق الآخرين أيضاً أن يستنشقوا هواءً نقياً، فهل سنتمكن من توظيف هذه القاعدة وتجسيدها في سلوكياتنا اليومية؟.. لأن التدخين على متن حافلة الركاب هو التخلف بعينه.. وهو تصرف لا يرضى عنه العقل السليم ناهيك عن الدين.. أم أننا سنضطر للجوء إلى الجهان المعنية بعد نفاذ الصبر.. والفراغ من منطق العقل والحكمة؟!
محمد عبد الله عمر "جابر
التسميات
مراهقة