لماذ يلتزم العرب صمت القبور؟ الصمت المطبق أمام آلة التدمير الإسرائيلية



تمر الانتفاضة الفلسطينية الباسلة الآن في اعنف الظروف وأخطرها فالصهاينة يتجاوزون كل الحدود في القمع والقتل والحصار والاجتياح والاحتلال.. في زمن غاب فيه الضمير الانساني العالمي.. وذابت كل شعارات الحرية والعدالة والحق وهتكت القيم الأخلاقية والحضارية، من دون ان يسمع صوت إدانة، خاصة من قبل الدول التي ترفع شعاراتها وتصنف البشر على أساسها، بل ان (الحرب على الإرهاب) تبنت الإرهاب الصهيوني ضمن جدولها كقضية تدافع عنها، وصار الفلسطينيون ـ الضحايا ـ أصحاب الحق هم الإرهابيين.
كل هذا جارح ومؤلم.. ولكن العجيب هو هذا الصمت العربي، هذه الحالة من اللارد التي أطبقت على العرب فلم تعد تصدر عنهم سوى كلمات تتحدث عن السلام، في زمن يقتل فيه الفلسطيني ركلا ويهدم منزله على رأسه ويحاصر ويهان ويموت على الحواجز ويحرم من ابسط حقوقه كلها.. ومع ذلك يودع الفلسطيني شقيقه الشهيد والسلاح بيده، وتحمد الأم ربها ان وضع ابنها على قائمة الشهداء.
هذه الصورة المفجعة في تناقضها بين منتهى الفعل والإرادة والصمود والإبداع من جانب، ومنتهى الجمود والصمت وانعدام الحيلة من جانب آخر تثير مئات الأسئلة،،لماذا يتم تجاهل قضية العرب الأولى بهذا البرود؟ أم أنها لم تعد قضية العرب الأولى ؟ لماذا تم تجسيد الموقف العربي بهذه الصورة ؟ وكيف؟ ألا يدرك العرب ان الصهاينة والاميركان يستثمرون هذا الصمت المحايد كل يوم ويعملون في الفلسطينيين قتلا وتنكيلا وإبادة ؟
من اجلس العرب على السياج والساحة محتدمة بقضيتهم؟ كيف اصبحوا خاليي الوفاض لا يملكون غير خيار التفرج الصامت؟ وما الذي أوصلهم إلى هذه الحالة ؟
للإجابة على هذه الأسئلة بمنطقية لابد للعرب من ان يراجعوا خمسين عاما من الصراع مع الصهاينة، ليدرسوا كل مواقفهم ونتائجها ويشخصوا أين اخطأوا، بضمير حي ونفوس صافية، وليعلنوا انهم لم ينفضوا ايديهم من فلسطين بعد ان خربوها، كما يبدو للمراقب، أو أنها لا تعنيهم كما تعنيهم همومهم المحلية الخاصة، فلسطين جرح غائر في ضمير كل عربي، تنكؤه طائرات الأباتشي وهي تقصف بيوت الفلسطينيين كل يوم، ولكنهم بمقايضة بخسة،وفي غفلة من التاريخ ارتهنوا لاميركا ارتهانا مجحفا، يقدمون كل شيء ولا يحصلون إلا على المزيد من الالتزام ـ من جانبهم ـ بتقديم المزيد، وفي كل مرة يدار اللولب دورة أخرى يضيق الخناق فلا يعود حتى التنفس ممكنا، ناهيك عن قول شيء يغضب المعتدي.
لم يتدن موقف العرب إلى هذه الحالة في تاريخهم، حتى في احلك مراحله ولكن الذين أوصلوهم إلى هذه الحالة هم أنفسهم الذين يصمونهم بالتخلف ويضعونهم في آخر القائمة بين الدول، ويعدونهم نموذجا للدكتاتورية والتعصب والتطرف والضعف في العالم ويطاردونهم في كل مكان بقوائم الاتهام واجراءات الريبة وشبهات الإدانة بعد ان صارت المطالبة بالحقوق المشروعة جرما والتصدي لها بالجهاد إرهابا، بينما يصير الإرهابي الصهيوني المحتل مدافعا عن نفسه.
أليس هذا هو حال العرب في المشهد الدولي الراهن؟ هل يجوز ان يسكت عليه؟ طوال خمسين عاما تربينا على ان فلسطين الحبيبة السليبة مغتصبة، وان قضيتنا التاريخية التي تتقدم على كل القضايا الأخرى هو تحريرها واسترجاعها من يد الصهيوني المغتصب، بعنا حاضرنا من اجل مستقبل حلم، مسترشدين بماض تليد، وضعنا كل همومنا في مرتبة تالية للهم الفلسطيني، لماذا إذا لم نفلح؟ لماذا وصلنا إلى هذه النتيجة المظلمة؟
المواطن العربي شبع حتى الإعياء من الوعود والأمنيات، بل تعب من حملها عندما انطلقت الانتفاضة كانت الشوارع العربية تميز من الغيظ بالمتظاهرين الغاضبين، ولكنهم سكنوا الآن برغم ان الفضائيات تنقل الجرائم الصهيونية بكل ما فيها من ظلم واستفزاز وإذلال، ولا يصدر عن الشارع سوى الحزن العميق لا، لم يفقد العربي حواسه ولكنه يئس من شعوره بأنه يطرق في حديد بارد، ولعله يتأهب لانفجار.
من حق الفلسطيني ان يزعل الآن، لمجرد السكوت على الجريمة ومن حقنا ان ندعو العرب إلى لم شتاتهم في نهاية الأمر وهم يمتلكون كل مقومات الوقوف على أقدام ثابتة في مواجهة العدو الصهيوني، ولا يحتاجون لأكثر من الإرادة، خاصة ان شلل الإرادة هو ما يراهن عليه الصهاينة والاميركان وما يعملون على تكريسه، ليس فقط من اجل إنهاء الانتفاضة الآن، وانما من اجل المستقبل ايضا.
الصهاينة بعنفهم (المفرط) كما سموه يحاربون إمكانات المستقبل العربي، الذي لا يؤمن به بعض العرب أنفسهم للأسف، الكيان الصهيوني يدرك جيدا ان العرب يستبعدون فكرة الحرب الآن، ومع ذلك يوغل في الإجرام لكي يصادر المستقبل والحلم، لكي يجبر العربي على التعود على الاستسلام والتأقلم مع روح الهزيمة.
بهذه الأبعاد يجدر بالعرب ان ينظروا إلى الانتفاضة ويقرروا ضرورة استمرارها مهما كان الثمن وبهذه الروحية ينبغي لهم ان يذهبوا إلى بيروت الشهر القادم، لا ان يفكروا في تأجيل القمة، بهذا المعنى ندعوهم إلى الخروج على صمتهم ليس لهم ان يخافوا من زعل اميركا بعد، لأنها لا يمكن ان تعاملنا بأسوأ مما تفعل أصلا.
ايمان احمد


0 تعليقات:

إرسال تعليق