مشكلة الإنجاب في الحياة الزوجية مشكلة تتكون من شقين : الأول : عدم الإنجاب : فقد يسبب ذلك أرقاً في الحياة الزوجية بسبب تأخر الإنجاب أو عدم إمكان حدوثه ، وإذا لم يتفهم الزوجان أن الأمر كله بيد الله تعالى وحده وأنه هو الذي يهب ويعطي فان ذلك يؤدي حتما إلى سوء العشرة بينهما.
فلقد رغبنا الشارع الحكيم في النكاح والتناسل وطلب الذرية. فعن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول:
"تزوجوا الودود الولود فإن مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة" . ([1]).
ولا شك أن الولد نعمة لا يحس بها إلا من حرمها, قال سبحانه : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ([2]).
كانت هناك طبيبة مشهورة حازت من المال والشهرة الكثير , لكنها حُرمت من نعمة الإنجاب , فأنشدت تقول:
لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة * * * فقد قيل .. ماذا نالني من مقالها
فقل للتي كانت ترى فيّ قدوة * * * هي اليوم بين الناس يرثى لحالها
وكل مناها بعض طفل تضمه * * * فهل ممكن أن تشتريه بمالها ؟
والشق الثاني : من مشكلة الإنجاب هي عدم رضا بعض الأزواج ممن لا دين لهم ولا عقل بإنجاب البنات .فإذا كان الإنجاب هبة ونعمة من الله فهي خير على كل حال، وشأن المسلم أن يستقبل هبة الله تعالى بالشكر والرضا وليس بالضجر والكره. ولقد أنكر الله تعالى على الجاهلين تسخطهم بالإناث وذم ذلك، فقال: (وإِذَا بُشّر أحدُهُم بالأُنثى ظلَّ وجْهُهُ مُسْودَّاً وهُو كظيم * يتوارى من القوْمِ مِن سُوءِ ما بُشر به أيُمْسكه على هُونٍ أمْ يدُسُّه في التُّرابِ ألا سَاءً ما يَحْكُمُون) ([3]).
قال أحدهم:
أحب بنيتي ووددت أني *** دفنت بنيتي في قاع لحدِ
وما بي أن تهون عليّ لكن *** مخافة أن تذوق الذل بعدي
فإن زوجتها رجلاً فقيراً *** أراها عنده والهم عندي
وإن زوّجتها رجلاً غنياً *** سيلطم خدها ويسب جدّي
سألت الله أن يأخذها قريباً *** ولو كانت أحب الناس عندي
وإنه لينقضي عجبك من قوم تسمع عن أحدهم أنه هدد امرأته بالطلاق، لأنها تنجب البنات. وكأنه لا يدري أن أمر الولد ليس موكولاً إليها، ولا إلى أحد من المخلوقين، بل هو تقدير العزيز العليم , وكأنه أدرى بالحكمة وأعرف بالمصلحة من ربه – جل وعلا -، وهذا التصرف دليل على ضعف الإيمان، وقلة اليقين.
وأعرف بعضهم حلف أن لا يعمل عقيقة لابنته الثالثة اعتراضاً على تلك النعمة .
وقد روت كتب الأخبار أنه كان لأبي حمزة الأعرابيّ زوجتان فولدت إحداهما ابنة ،فعزّ عليه ،واجتنبها وصار في بيت ضرتها إلى جنبها فأحست به يوماً في بيت صاحبتها ،فجعلت ترقّص ابنتها الطفلة وتقول :
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظلّ في البيت الذي يلينا
غضبان ألاّ نلد البنينا ... تا الله ما ذلك في أيدينا
بل نحن كالأرض لزارعينا ... يلبث ما قد زرعوه فينا
وإنما نأخذ ما أعطينا
فعرف أبو حمزة قبح ما فعل ، وراجع امرأته. ([4]).
فكراهية البنات من رواسب الجاهلية البغيضة التي جاء الإسلام لمحوها .
يُحكى أن رجلاً كان لا يولد له إلا البنات ، فضاق وتضجر من ذلك حتى هدّد زوجته بالطلاق ، فحملت المرأة مرة أخرى ، فحُملت إلى المستشفى ، وأسفر حملها عن بنت حسناء ، فرُئي عليها الحزن والكآبة من ذلك ، فلاحظَ الممرضات ذلك ، فسألتها إحداهن فذكرت لهن الخبر ، فأُخبر أحد الدكاترة بالقضية ، فقال : دعوا الأمر لي .
فلما أتى زوجها سأل الدكتور: ما الخبر ؟ فقال الدكتور: هنيئًا ، فقد ولد لك مولود ذكر ، فاستبشر الأب ، فقال الدكتور : لكنه مشوّه الخِلقة ، وفيه كذا وكذا ، ويشكو من كذا وكذا ، ويحتاج إلى إشراف وعناية ، فتغيّر وجه الزوج كأنما صُفع صفعة شديدة وأحسّ بابتلاء الله تعالى له ..فراجع نفسه وتساءل وقال : إنه ابتلاء الله لي لأنني كرهت البنات وما أحببتهن ، فهذا جزائي ، فقال له الدكتور : لا عليك بل افرح واستبشر ، فقد رزقك الله بنتًا جميلة حسناء ، فاستبشر الأب وحمد الله ورضي لقضاء الله وقدره ، فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ([5]).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ ، حَتَّى تَبْلُغَا ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. ([6]).
وروى الإمام أحمد في مسنده عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ ، وَسَقَاهُنَّ ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النًّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ([7]).
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٌ ، أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنَتَيْنِ ، أَوْ أُخْتَيْنِ ، اتَّقَى اللهَ فِيهِنَّ ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، حَتَّى يَبِنَّ ، أَوْ يَمُتْنَ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ. وفي لفظ ابن بَكْر : مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَكُونُ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ، أَوْ يَمُتْنَ ، إِلاَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوِ اثْنَانِ ؟ قَالَ : أَوِ اثْنَانِ. ([8]).
قال الشاعر في حب بناته :
لولا بنيّاتٌ كزغب القطا ... حططن من بعضٍ إلى بعض
لكان لي مضطربٌ واسعٌ ... في الأرض ذات الطّول والعرض
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبّت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض
فالزوجان اللذان لا يستطيعان أن يتعاملا بحكمة مع مشكلة الإنجاب ويتجاوزاها , فإن ذلك قد يؤدي إلى تقويض بنيان الحياة الزوجية بكاملها , ويصبح ذلك دليلا على ضعف الإيمان وزعزعة اليقين بعطاء رب العالمين .
([1])أخرجه أحمد (3/158 ، رقم 12634) ، وابن حبان (9/338 ، رقم 4028) ، والبيهقى (7/81 ، رقم 13254) .
([2])(49-50) سورة الشورى.
([3])(النحل: 58 ، 59) .
([4])ابن عبد البر : بهجة المجالس وأنس المجالس 162 ، محاضرات الأدباء , للراغب الأصفهاني 147 .
([5])النساء : 19.
([6])أخرجه مُسْلم 8/38(6788).
([7])أخرجه أحمد 4/154(17538).
([8])أخرجه أحمد 6/27(24491).
بدر عبدالحميد هميسة
التسميات
زوجية