المهندسون المغاربة وعلاقتهم بالدولة وكيفية توظيفهم لجر البلاد إلى نادي الدول المتقدمة



المهندسون المغاربة وعلاقتهم بالدولة:

ما إن توفي المستشار الملكي مزيان بلفقيه حتى بدأت الألسن تتساءل عن مصير المهندسين، خاصة أنه هو الذي زرعهم في المناصب العليا وأسند لهم المسؤوليات السامية، حتى أصبحت بصماته غير خفية بخصوص العديد من التعيينات في المناصب المهمة.
السؤال طرحه المتتبعون، خاصة وأن العديد ممن استوزر بفضل مزيان بلفقيه في العشرية الأخيرة بدأت تطرح الاستفهامات حول مصيرهم وهل سيرسخون أقدامهم أكثر أم سيزولون. إذ أن المغرب عاش سوابق في هذا المجال.
إذ ما إن يموت الرجل القوي في المنظومة الإدارية والسياسية حتى تطارد اللعنة رجالاته إلى الوراء. حدث ذلك بعد وفاة الجنيرال الدليمي إذ توارى رجالاته إلى الوراء وحدث بعد وفاة المستشار الملكي رضا اكديرة حيث أخرج أنصاره من دائرة الضوء، كما تجددت مع إدريس البصري الذي أدى إعفاؤه من منصبه كأقوى وزير للداخلية في تاريخ المغرب المعاصر إلى إزاحة العديد من المسؤولين المحسوبين على دائرته الفلكية.

الاتحاد الوطني للمهندسين:

ومع وفاة مزيان بلفقيه، تجدد الترقب لمعرفة هل ستبدأ الحرب على تلامذته وأتباعه؟ وهل سيبقون في المناصب العليا أم سيتوارون إلى الخلف؟ وهل ستقوم للمهندس قائمة أم سيردم ردمة نهائية؟!
لكن بمجرد مرور أربعينية الراحل بلفقيه إذا بالرأي العام يفاجأ بقرار غير مسبوق أثار ردود فعل قوية وغاضبة لدى السياسييين والحقوقيين والنقابيين، وهو القرار الذي استهدف رأس المهندسين المغاربة في شخص عبد الله السعيدي، رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين، حيث تم إعفاؤه من منصبه كمدير جهوي للمياه والغابات بجهة الغرب يومي الإضراب الوطني للمهندسين 23و 24 يونيو 2010 بطريقة مذلة ولاتحترم لا مكانة الرجل ولامركزه، ونترك للمعني بالأمر يروي الصيغة الحقيرة التي أعفي من منصب بها: «تم استدعائي للإدارة العامة (يقصد المندوبية السامية للمياه والغابات، المحرر) صباح يوم الإضراب والوقفة الاحتجاجية، فأخبرت كاتبة المندوب السامي بأنني في يوم إضراب عن العمل.

وظائف المتهندس:

ورغم أني أبلغتها بأنني لا أرفض استدعائي من طرف الإدارة العامة، باعتباري مسؤولا جهويا، أخبرتها بأن تبلغ المندوب السامي بأنني سأقابله بعد خمسة عشر دقيقة، وهي المدة اللازمة لتغيير ملابسي، على أساس ألا تطول المقابلة إلى الساعة 12 زوالا، لالتزامي بمتابعة الإضراب والوقفات الاحتجاجية ومواكبة تطورات ذلك. لكنني فوجئت بالكاتبة تخبرني بأن المندوب لم يعد يرغب في لقائي، ليقوم غداة الإضراب بتوقيع قرار إعفائي» (من حوار أجرته الزميلة الحياة في العدد 112 مع عبد الله السعيدي).

فالذي اتخذ هذا القرار لايعرف المرحلة التي اتخذ فيها، ويجهل الموقع الذي يحظى به المهندس في البلاد اليوم، بعدما فتحت العديد من الأوراش في مختلف المناطق ويجهل الوظائف الممكن إسنادها للمهندس، أو لربما من اتخذ قرار إعفاء رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين يعتقد أن لادور لهم!
ورغم التوضيحات والحجج التي قدمها المندوب السامي للمياه والغابات (الحافي) لتبرير هذا القرار، فإنها باطلة بحكم السياق العام، وهو سياق يذكرنا بسياق سنوات الرصاص الذي كانت تتخذ فيه قرارات الطرد والإعفاء ضد كل من يقود حركة احتجاجية.

صناعة الحياة والتخطيط لها:

هذه المعطيات المقلقة جعلت «الوطن الآن» تطرح سؤال «المهندس اليوم بالمغرب» وكيفية توظيفه لجر البلاد للانضمام إلى نادي الأمم المتقدمة مثلما حصل في كوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل والهند. خاصة وأن الحضارة الحديثة بوأت المهندس مكانة خاصة في صناعة الحياة والتخطيط لها. إذ لا مناص من سلالة المهندسين في كل مناحي الحياة، وهي مهمة ليست فقط تقنية بل وجودية، أي مرتبطة بوجود الإنسان وبتأهيل المواطن المغربي ليمتلك التقنية ويتسلح بالخبرة الهندسية (أنظر تفاصيل الندوة المنظمة من طرف «الوطن الآن» في الصفحات الموالية).

نادي الكبار:

فالمغرب لما حاز على الاستقلال كان رهينة بيد دولة تبحث عن بناء شرعيتها. وكانت الدولة آنذاك تحتاج إلى السياسي والأمني أكثر من التقني، وكان المغرب يؤجل دفتر التخطيط الحضري والمدني والاقتصادي والتكنولوجي. وحينما حدثت فجوة في عقل الدولة في أواخر عهد المرحوم الملك الحسن الثاني ودخول المهندس مزيان بلفقيه إلى «نادي الكبار»، تولد الأمل لدى المغاربة بأن عقل الدولة بدأ يستشعر الحاجة إلى التقني بدل السياسي السياسوي والسياسي المناور. بدليل أن محيط الملك كان يضم تخصصات كثيرة، لكن بصمة مزيان بلفقيه كانت قوية، وكان يملأ المشهد العام، سواء في عهد المرحوم الحسن الثاني أو في عهد ابنه الملك محمد السادس، وساد الانطباع بأن الدولة أعلنت حاجتها إلى نفس جديد، أي الحاجة إلى عقلانية المهندس وانفتاحه على المحيط. لكن الأمل تبخر والوعي انحصر.

مصنع القرار:

المقام هنا لا يسمح ببسط دفوعات كل طرف بخصوص هل فعلا حظي المهندسون المغاربة بالاهتمام مستغلين قرب مزيان بلفقيه من «مصنع القرار» أم لم تحظ بالاهتمام سوى فئة قليلة مقربة منه؟ وهل فعلا خدم مزيان بلفقيه المهندسين أم «خدم» قلة قليلة منهم ومن هم؟ وما هي بصمة مزيان والوزراء المهندسين والكتاب العامين المهندسين على تطوير المهنة والقطاع؟ وهل حصل تقدم أو حدثت الردة؟ وهل تقوت الهندسة ببلادنا أو لم يتقو سوى لوبي صغير مكون من المهندسين؟

رأسمال رمزي:

لا. إن طرحنا لسؤال المهندس ليس لأننا نرى فيه سؤالا قطاعيا وفئويا، بل هو لأنه سؤال مرتبط بفئة حيوية داخل المجتمع يناط بها هندسة حاضر ومستقبل المغرب، وأيضا لأن المهندسين جزء من ذاك الرأسمال الرمزي الذي تعتز به الأمم التي تدرك قيمة المهندسين.
وإن كان من حسنة لهذه الإضرابات التي يخوضها المهندسون المغاربة اليوم، فإنها أيقظتنا من سبات طويل، إذ بعد أن كان المغرب أفضل من تركيا وكوريا الجنوبية والهند في السبعينات أصبح اليوم يستورد حاجياته من هذه الدول، لكون هذه الدول أدركت ما معنى أن تكون البلاد مسنودة بالمهندسين، وليس بلادا يضطهدون فيها.