الغيرة على النساء لحياطة الشرف وصيانة العرض.. الديوث الذي لا غيرة له على أهل بيته

قال الشيخ محمد أحمد المقدم: إن من آثار تكريم الإسلام للمرأة ما غرسه في نفوس المسلمين من الغيرة، ويقصد بالغيرة تلك العاطفة التي تدفع الرجل لصيانة المرأة عن كل محرَّم وشين وعار.

ويعدُّ الإسلام الدفاعَ عن العرض والغيرةَ على الحريم جهاداً يبذل من أجله الدم، ويضحَّى في سبيله بالنفس، ويجازي فاعلَه بدرجة الشهيد في الجنة، فعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد)[24].

بل يعدُّ الإسلام الغيرةَ من صميم أخلاق الإيمان، فمن لا غيرة له لا إيمان له، ولهذا كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أغيرَ الخلق على الأمة، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غيرَ مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (تعجبون من غيرة سعد؟! واللهِ، لأنا أغير منه، واللهُ أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..) الحديث [1].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه)[2].

وإن من ضروب الغيرة المحمودة أنَفَةَ المحب وحميَّته أن يشاركه في محبوبه غيرُه، ومن هنا كانت الغيرة نوعاً من أنواع الأثرة لا بد منه لحياطة الشرف وصيانة العرض، وكانت أيضاً مثارَ الحمية والحفيظة فيمن لا حميةَ له ولا حفيظة.

وضدُّ الغيور الديُّوث، وهو الذي يقرُّ الخبثَ في أهله أو يشتغل بالقيادة، قال العلماء: الديوث الذي لا غيرةَ له على أهل بيته، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) الحديث [3].

إن الغيرةَ على حرمة العفَّة ركنُ العروبة وقوام أخلاقها في الجاهلية والإسلام؛ لأنها طبيعة الفطرة البشرية الصافية النقية، ولأنها طبيعة النفس الحرة الأبية"[4].

[1] أخرجه أحمد في المسند (1/190)، والترمذي في الديات، باب: ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد (1418)، وأبو داود في السنة، باب: في قتل اللصوص (4772)، وابن ماجه في الحدود، باب: من قتل دون ماله فهو شهيد (2580)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3/119): "إسناده صحيح".

[2] رواه البخاري في المحاربين، باب: من رأى مع امرأته رجلاً فقتله (6846)، ومسلم في اللعان (1499).
[3] رواه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5223)، ومسلم في التوبة (2761).

[27] أخرجه أحمد في المسند (2/134)، والنسائي في الزكاة، باب: المنان بما أعطى (2561)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (9/34).
[4] عودة الحجاب (3/114-115).

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال