حوادث الاصطدام عند فقهاء المذاهب الأربعة:
بحث فقهاؤنا حوادث الاصطدام، فيما عرف عندهم من وسائل المواصلات؛ والتي كانت متمثلة في الدواب والسفن. ومن غير شك، فإن ما توصل إليه الفقهاء في هذا المجال يعد أصلا يقاس عليه ما تحدثه السيارات وغيرها في الوقت الحاضر، كما أن مسائل الطريق التي اعتنت بها جميع كتب الفقه وغيرها، تعد مصدرا ميسرا لاستنباط قواعد للمرور؛ تكون مسايرة لأحكام شريعتنا السمحة.
الاصطدم في المذهب المالكي:
وفي المذهب المالكي جاء في المدونة: قلت: أرأيتم إذا اصطدم فارسان فقتل كل واحد منهما صاحبه. قال مالك: عقل كل واحد منهما على قبيل صاحبه، وقيمة كل فرس منهما في مال صاحبه.
ومثل اصطدام الفارسين اصطدام الماشيين أو ماش وراكب (والمكلفان إن تصادما أو تجاذبا جبلا مثلا، أو بأيديهما، فارسين أو ماشيين أو مختلفين، بصيرين أو ضريرين أو مختلفين، فإن قصدا ذلك ومات أحدهما فالقود. ولو جهل أمرهما هل قصدا الإصطدام أو لا ؟ فإنهما يحملان على قصده ([1]).
وأما اصطدام السفينتين فقد جاء في المدونة: قلت: أرأيت لو أن سفينة صدمت سفينة أخرى فكسرتها فغرق أهلها ؟ (قال) قال مالك : إن كان ذلك من ريح غلبتهم، أو من شيء لا يستطيعون حبسها منه ؛ فلا شيء عليهم، وإن كانوا لو شاءوا أن يصرفوها فهم ضامنون ([2]).
التصادم في المذهب الشافعي:
وفي المذهب الشافعي: يقول الشافعي: إذا وقع التصادم بين الراجلين أو الراكبين، فالواجب على كل واحد منهما نصف الدية، غلبهما المركوب أو لم يغلبهما، خطأ كان ذلك أو عمداً، لأنه في حال الخطأ واضح، وفي حال القصد هو شبه عمد. وإن كان أحدهما واقفاً فإنه إذا كان الواقف غير متعد بوقوفه بأن كان واقفاً في ملكه أو في طريق واسع لا يتضرر به المارة؛ فإن دية المصدوم على عاقلة الصادم، ودم الصادم هدر. ومعنى ذلك: أن الكفارة تتبع الضمان.
ولو انحرف الواقف فوافق انحرافه صدمة الصادم فماتا، فقد مات كل واحد منهما بفعله وبفعل صاحبه، فيكونان كالمتصادمين، نصف الدية على عاقلة كل منهما ([3]).
فإذا اصطدمت سفينتان فانكسرتا، ومات فيهما رجال، وتبين أن الرُّبانَيْن قصدا الإصطدام، وعلم أن هذا الإصطدام يقتل غالباً، فإنها جناية عمد محض فيجب القود عليهما. والطريقة: أنه يقرع بين أولياء المقتولين، فمن خرجت له القرعة ثبت له القصاص بوليه المقتول، ويجب للباقين الدية من أموال الرُّبانَيْن.
وإن قال أهل الخبرة: إن شأن هذا الاصطدام ألا يترتب عنه قتل، وجب على عاقلة كل منهما نصف دية ركاب السفينتين.
وإن لم يفرط الرُّبانان؛ فقولان: الضمان عليهما؛ لأنه لا فعل لهما ابتداءً ولا انتهاءً، وإنما ذلك من فعل الريح، كما لو نزلت صاعقة.
والسفن التي تسير بمحركات، وتسييرها يتم بطرق علمية ، فأنه لما كان يمكن التحكم في سيرها وتوقّي الإصطدام بغيرها إلى مسافة معينة؛ فمسؤولية الربان ثابتة، إلا إذا تعذر، أي: فقد التحكم بعامل خارج عن إرادته ما له من دافع، فلا ضمان ([4]).
الاصطدم في المذهب الحنبلي:
وفي المذهب الحنبلي: أنه إذا اصطدم الراكبان أو الراجلان فماتا؛ فعلى عاقلة كل منهما الدية كاملة .
وإن كان أحدهما واقفاً في مكان يجوز له أن يقف فيه ، والآخر سائرا فماتا ؛ فعلى السائر الدية ، وإن مات السائر فهدر.
وإن انحرف الواقف فصادف اصطدامه عند انحرافه فماتا ؛ فهما كالسائرين ([5]).
أما السفينتان: فإن كانتا سائرتين وإحداهما مصعدة والأخرى نازلة، فالضمان على المنحدرة إذا فرط الربان، ولو غرقتا جميعاً فكذلك، إلا أن يكون التفريط من المصعدة بأن كان في إمكانه العدول عن المواجهة فلم يفعل، وكذلك لا ضمان على المصعدة إن كان ربان المنحدرة مغلوبا على أمره بقوة تيار الماء أو الريح. وأن كانتا متساويتين ولم يفرط أي منهما؛ فلا ضمان والإ فالضمان على المفرط . وما نشأ من قتل عن تعمد، علم أن الغالب أن ينشأ عنه الموت ففيه القصاص. وما كان عن غير عمد أو كان التصادم لا يترتب عليه عادة الموت فالدية على العاقلة ([6]).
([1]) شرح الزرقاني : 8/11،12.
([2]) المدونة :4/506.
([3]) المجموع شرح المهذب: 19/26،28.
([4]) المجموع شرح المهذب: 19/32،31
([5]) المغني : 12/545.
([6]) المغني : 12/545.
0 تعليقات:
إرسال تعليق