الذمي ومفهوم المواطنة.. العالم الغربي يطبق معايير القرون الغابرة



تجد معظم البلدان الأوروبية نفسها اليوم، إن لم يكن في تناقض، فعلى الأقل في ورطة وحرج شديد.
فحتى وقت غير بعيد، كانت الى حد ما منسجمة مع مبادئها، مسَلّمة بأن الدّين لا يحدد المواطنة، وكانت ترى أن مفهوم «الذمي» حصر على البلدان الاسلامية، إن لم يكن هو نفسه مفهوماً اسلامياً.

غير أن تكاثر عدد المسلمين المهاجرين الى البلدان الأوروبية، وما ترتب عنه من نقل عوائدهم وسننهم الى الحياة العمومية، أخذ يدفع هذه البلدان الى اعادة النظر في تحديد مفهوم المواطنة، والبحث عن نهج جديد للتمييز بين «المواطن الأصيل» و «غير الأصيل».

ولعل ذلك ما دفع الحكام الفرنسيين أخيراً الى طرح السؤال: «ما معنى أن تكون فرنسياً اليوم؟»، ذلك السؤال الذي بمجرد أن طُرح، أقحم الجميع في ورطة ثقافية سياسية، ما دفع الذين طرحوه الى البحث عن السبل التي من شأنها أن تجعله يخفت ويتوارى وعلى رغم ذلك.

فقد خلف طرح السؤال وما واكبه في بلدان أخرى من تصويت عن وجود المآذن في أوروبا، والطعن في بعض مظاهر الملبس والسلوك التي تتخذها بعض الجاليات، كل ذلك خلف لدى المهاجرين المسلمين شعوراً بأنهم هم الذين أصبحوا ذميين في البلدان التي غالباً ما يكونون قد ولدوا فيها هم وآباؤهم في معظم الحالات.
فكأنما انتقل نظام الذمة من المحيط الاسلامي الى العالم الغربي الذي طالما اشتكى منه في ما قبل.

ما لم يفهمه هؤلاء المهاجرون، هو الحد الذي يمكن الأوروبي أن يقف عنده لتمييز المواطن الأصيل عن غيره، خصوصاً أنهم يرون أن بعض حكام البلدان الأوروبية أنفسهم لا يتمتعون بتلك الأصالة التي يُتحدث عنها.

لا يشهر الأوروبيون العامل الديني كمحدد أساس، وهم لا يستطيعون ذلك على أية حال، على الأقل بصفة صريحة واضحة، لذا نجدهم يختفون وراء تحديدات غير محددة أصلاً، فيميّزون بين المواطن الأصيل، وذاك الذي «لا يشارك الأوروبيين في تقليد عريق».

وعلى أية حال فإن المسألة تظل معقدة خصوصاً عندما يحشرها الحكام الأوروبيون في معارك سياسوية انتخابية.
وربما أسعفنا التاريخ المعاصر في إلقاء بعض الأضواء عليها.

يلاحظ المؤرخ عبدالله العروي أن مسألة الاقصاء المتزايد الذي يعانيه المهاجرون المسلمون اليوم «ليست مسألة تخصّهم وحدهم، اذ كان هذا حال اليهود في الماضي، وحال المكسيكيين الكاثوليك في أميركا الشمالية والكوريين في اليابان».

عندما نلحظ تكرار الظاهرة عبر التاريخ والجغرافية، تغدو وضعية المهاجر المسلم في أوروبا مجرد حالة من الحالات، فترفع عنها «خصوصيتها» المطلقة، والأهم من ذلك أنها لا تغدو سهلة التوظيف السياسوي.

في السياق نفسه يقترح العروي حلاً للمسألة في اطار الديموقراطية المحلية «لأن المحدد الديني لا يدخل مبدئياً في شروط المشاركة». والظاهر أن التجربة السياسية اليومية تعطيه الحق في ما يذهب اليه.
وعلى أية حال فقد لاحظنا غير مرة اقتحام المواطن المهاجر المجال السياسي، واكتساب المواطنة «الفعلية» عبر القنوات المحلية أو ابتداء منها. 
عبدالسلام بنعبد العالي


المواضيع الأكثر قراءة