واحدة من التعهدات الأساسية التي قدمها زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون إذا ما استلم الحكم هي حظر «حزب التحرير» في بريطانيا. ويرصد المدقق في الأدبيات البريطانية المرتبطة بـ «مكافحة التطرف»، و «الراديكالية» انها تحفل باعتماد الحزب كمثال على حال التطرف بين أوساط المسلمين في بريطانيا، ومن أبرزها أدبيات «مركز الاتساق الاجتماعي» The Centre For Social Cohesion، و «كوليام فاونديشن»، الذي يشرف عليه اثنان من أعضاء حزب التحرير السابقين: ماجد نواز، وإيد حسين، والأخير مؤلف كتاب «الإسلاموي» The Islamists الذي يعرض لأسس التطرف التي ينشرها «حزب التحرير» في الجامعات البريطانية.
مؤخراً صدرت دراسة عن «مركز الاتساق الاجتماعي»، تعبر وفي شكل جلي عن المخاوف التي يثيرها الحزب عبر إيديولوجيته المتشددة. الدراسة بعنوان: «حزب التحرير في بريطانيا: الإيديولوجيا والاستراتيجية»، من إعداد حورية أحمد وهانا ستورات، وقد خلصت إلى أن الحزب، باعتباره يسعى «لإقامة دولة عظمى توسعية في الدول ذات الغالبية المـــسلمة، وتوحيد المسلمين في كل أنحاء الــعالم ككـــتلة ســـياسية، أو توحيد «الأمة»، يرى كل الدول «دار حرب»، لا «دار إسلام» لأن شكل الحكومة وفقاً لرؤية الحزب غير مطبق، وبناء على هذا التصنيف يطبق الحزب مفهوم الجهاد، ويؤمن بأن دولته يمكنها شن الحرب من أجل ضم كل الدول ذات الغالبية المسلمة واحتلال كل البلدان ذات الأغلبية غير المسلمة. ويؤمن الحزب، بحسب الدراسة، بأن جميع المسلمين يجب أن يشاركوا في هذه الحرب لتحويل دار الحرب إلى دار الإسلام» ، ويجوز للحزب قتل المدنيين في هذا السبيل.
وتقول الدراسة أن الحزب وفي ظل غياب الدولة الإسلامية، يدعو المسلمين إلى المشاركة في الجهاد في «الأراضي الإسلامية المحتلة»، ويناصب العداء لإسرائيل، ويرى أن «إرهاب» «العدو» واجب ديني ضد أولئك الذين يرتكبون «العدوان على مقدسات المسلمين».
وتقول الدراسة أن أنشطة الحزب في بريطانيا تدل على أنه ومنذ تفجيرات 7/7 في لندن، طور وفي شكل متزايد اعتماد تدابير لإخفاء إيديولوجيته المتعصبة، باستخدام لغة ملطفة لإخفاء دعمه للمعتقدات المعادية للسامية وللجهاد والنظام الشمولي في الحكم، والبروز كحزب منخرط في الحياة السياسية البريطانية، ولذا فإنه ينخرط في العمل السياسي والإعلامي على المستويات المحلية.
انه وفقاً للدراسة، طور واجهات لنشاطه كالمجموعات الشبابية، والطالبية، ومنظمات المجتمع المدني، وعبرها ينشر إيديولوجيته، وذلك بغرض الالتفاف على الحظر المحتمل له في أي وقت، ولنشر إيديولوجيته داخل الجاليات المسلمة البريطانية. وفيما تعطي الدراسة بعض الأمثلة على ذلك، فإنها تشير إلى أن الحزب يشجع الشبان المسلمين على نشر أفكار الحزب، ويركز نشاطه في الجامعات، ومنظمات الشباب والمساجد. وفي بعض الحالات، يستهدف أطفال المدارس.
وترى الدراسة أن «حزب التحرير الإسلامي» ليس منظمة إرهابية، لكنه وإن اختلف مع الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين، أو مع «القاعدة»، فإنه لا يختلف معهما في المنهجية بأن الهدف النهائي لكل المنظمات الثلاث هو إقامة دولة «إسلامية». وهناك عدد من الجماعات الإسلامية المتشددة ظهرت في منطقة الشرق الأوسط نتيجة للتطرف الذي نشرته إيديولوجية «حزب التحرير»، وهناك أعضاء سابقون في الحزب شاركوا في أعمال إرهابية، وفقاً للدراسة.
«حزب التحرير»، بإيديولوجيته، يعد بالفعل حزباً متشدداً، ويقوم على فكرة إعادة إحياء الخلافة التي تعد فكرة طوباوية، إضافة إلى أن الكثير من مآخذ التقرير على إيديولوجيته، صحيحة، في ما يتعلق بالخطاب الإقصائي، والعداء لقيم الحريات وحقوق الإنسان، وتقسيم العالم إلى دارين، ولكن الإشكالية الحقيقية، في حالة بريطانيا تحديداً، أنه لا يوجد تمييز حقيقي واضح بين «الأفكار الراديكالية»، التي يمثلها الحزب، و«الفعل الجهادي»، الذي يمثله السلفيون- الجهاديون في بريطانيا، مما يدخل مثل هذا الربط، أو عدم التفريق، إن شئنا الدقة، في باب الإثارة الإعلامية، فمثل هذا الطرح ينعكس أيضاً على التغطية الإعلامية، فمظاهرات «حزب التحرير» البريطاني، وتصريحات مسؤوليه عن عودة الخلافة، وغيرها هي مادة إعلامية «مثيرة»، لكنها تعمي عن فهم الشبكات الجهادية الفعلية في بريطانيا. وللتمييز بين «الموقف الراديكالي»، وبين «الفعل الجهادي»، ينبغي أولاً الإشارة إلى أن الأول سابق على الأخير، وبهذا المعنى، من المعقول الحديث عن أن خطاب «حزب التحرير» يهيئ الفرد لتقبل الإيديولوجية الجهادية، وهو ما يفسر وجود بعض الشبان الذين انتهوا «جهاديين» بعد أن بدأوا «تحريريين»، ولكن هؤلاء استثناء، لأن الفارق الإيديولوجي، بين السلفيين - الجهاديين، وحزب التحرير كبير، فكرياً، من دون ان يشير أحد إلى ذلك.
فمثلاً «منبر الجهاد والتوحيد»، التابع للمنظر السلفي - الجهادي، أبو محمد المقدسي، يورد عدداً من المقالات لمنظرين سلفيين - جهاديين تبين وجهة نظرهم تجاه «حزب التحرير»، وهو يورد اقتباساً لعمر بكري، زعيم حزب التحرير السابق في بريطانيا، ومن ثم «المهاجرون»، في معرض إجابته، على سؤال لـ «الحياة»، بتاريخ 23 شباط (فبراير) 2004، بأنه ترك «حزب التحرير» معتبراً ذلك من «النعم الكثيرة التي أنعم الله بها علي أن هداني الى ترك[ـه] والبراءة من أفكاره»، وذلك لـ «مخالفة حزب التحرير لعقيدة السلف الصالح ولطريقتهم في تلقي دين الإسلام من مصادره وفهمه وتطبيقه»، ومن ثم يورد أسباباً شرعية عدة ليؤكد فكرته، ومنها: «تعطيل الكثير من الالتزامات الشرعية؛ كالدعوة الى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع - أو ما يطلق عليه بحسب تعبير الحزب الصراع السياسي ضد الحكام الطواغيت -»، و «عدم تفريقهم بين الالتزامات الحزبية الحركية - في دائرة المباح - والمتروكة لرأي قيادة الحزب، وبين ما هو من الالتزامات والواجبات الشرعية التي أمر الشرع بها»، «وتعطيل الجهاد في سبيل الله سواء أكان لصد العدو الصائل أو المغتصب المحتل، بحجج التزامهم بعدم القيام بالأعمال المادية قبل قيام الدولة، وكثير من الحجج العقلية الواهية التي يطول الحديث عنها»، وغيرها من «الأسباب الشرعية».
الملاحظ إن الإعلام البريطاني ما زال يربط عمر بكري بحزب التحرير، أو بالتيار السلفي- الجهادي، على رغم أن المتابع لا يجد أدبيات لبكري في المنتديات ووسط الأدبيات السلفية - الجهادية، ولكن ظهوره الإعلامي المتكرر ومحاضراته، قبل أن يغادر بريطانيا بعد تفجيرات 7/7/2005، كانت سبباً في جعله رمزاً للراديكالية وللشبكات الجهادية، على رغم أنه لا يعد من المنظرين السلفيين - الجهاديين.
وأما على المستوى الفكري، فإن للمنظر السلفي- الجهادي، أبو قتادة الفلسطيني، رأياً في «حزب التحرير»، يقول فيه بأن «الحزب يرضى من أفراده أن يؤمنوا بالإسلام السياسي، ويحملوا المبدأ الإسلامي في كفاحهم السياسي، ولا يرفض أن يتَّصفوا بغير الإسلام في أعمالهم وسلوكهم وحركة حياتهم... [وأنه] لا يشترط في نفسه ولا في أفراده العمل بالإسلام»، وبالتالي، فإن أبو قتادة الفلسطيني، يتساءل: «فماذا بقي من الإسلام ليحمله الحزب إذاً؟»، ويخلص إلى القول: «ولو طبّقنا قواعد السلف الصالح في الحكم على من آمن بهذا الإسلام على هذه الصورة فإنّه سيكون كافراً بالله ولا شكّ... والحزب بهذه الصورة هو من غلاة المرجئة (عقيدة عقلية دون عمل وصفات)... فالحزب لا يقوم بالعمل المسلّح بل بالكفاح السياسي، والنضال السياسي فقط، وإنّما يطلب من غيره أن يقوم بالعمل المسلَّح أو أي أعمال أخرى ليعطي الحزب الحكم... أن فهم الإيمان والتوحيد عند الحزب ليس هو الفهم السني، بل هو أقرب ما يكون إلى إفرازات الأشاعرة».
وأما على مستوى الفتوى، فإن الشيخ السعودي، المعتقل منذ عام 2003 لعلاقته مع القاعدة في السعودية، رد على سؤال: «ما هو القول الفصل في هذا الحزب؟ وهل هو على عقيدة أهل السنة؟ وما حكم المنتسبين اليه؟»، بالقول: «فحزب التحرير من الأحزاب الضالة، وموقفه من السنة النبوية ومن الصحابة ومن الأسماء والصفات والقدر وغير ذلك مواقف مبتدعة تخالف معتقد أهل السنة والجماعة في كثير منها، وقد ظهر في الرد عليه وبيان أباطيله وعقائد أصحابه مؤلفات عدة فراجعها».
وعلى ما سبق، يلاحظ أن حالة الافتراق الفكري والإيديولوجي بين التيار السلفي - الجهادي، و «حزب التحرير» كبيرة إلى درجة يعد فيها الحـــديث عن أصول فكرية واضحة، وإلغاء الحدود الفاصلة بينهما نوع من الإسهام في عدم فهم ظاهرة الشبكات الجهادية في بريطانيا، والتي قال عنها رئيس جهاز الاستخبارات المحلية جوناثان إيفانز في العام 2007 انها تضم نحو 2000 شخص، ووزيرة الداخلية السابقة جاكي سميث صرحت في العام 2008، بأن هناك 200 شبكة، وبريـــطانيا كانت قد شهدت في العام 2008 زيادة بنسبة 30 في المئة من المعتقلين على خلفية الانتماء لشبكات جهادية، وفقاً لتقرير «اليوروبول» عن الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإن عدم التفريق الواضح بين الشبكات الجهادية، ونزعات الراديكالية قد تعطل الفهم الحقيقي للظاهرة، ومحاولات علاجها، بل تبقيها في إطار المساومات السياسية، وعرضة لأهواء التسييس.
التسميات
حزب التحرير