تعريف الاقتباس.. تضمين المتكلم منثوره أو منظومه شيئا من القرآن أو الحديثِ على وجه لا يشعر بأنه منهما

الاقتباسُ [1]:
 هو أن يُضمّنَ المتكلِّم منثورَه، أو منظومَه، شيئاً من القرآنِ، أو الحديثِ، على وجهٍ لا يشعَرُ بأنه منهما، فمثاله من النثر "فلم يكنْ إلاّ كلمحِ البصرِ[2]، أو هو أقربُ،حتى أنشدَ فأغربَ".

ونحو قول الحريري: "أنا أُنبّئكمْ بتأويلهِ[3]، وأميّزُ صحيحَ القولِ منْ عليلهِ".
وكقول عبد المؤمن الأصفهانيِّ: "لا تَغُرَّنّكَ منَ الظّلمَةِ كثرةُ الجيوشِ والأنصارِ، {..إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (42) سورة إبراهيم.

 ومنه قول الشاعر [4]:
وثغر تنضّد من لُؤ لُؤ -- بألباب أهل الهوى يَلعبُ
إذا ما ادلهمّتْ خطوبُ الهوى -- يكادُ سَنَا بِرقِه يَذهبُ[5]

وكقول الشاعر الآخر[6]:
إنْ كنتَ أَزْمَعْتَ على هَجْرِنا -- من غيرِ ما جُرْمٍ فصَبْرٌ جَميلْ [7]
وإنْ تَبَدَّلْتَ بنا غيرَنا -- فَحَسْبُنا الله ونِعْم الوَكيلْ [8]

 ونحو قول  الآخر [9]:
لا تكنْ ظالماً ولا ترضَ بالظلمِ -- وأنكِرْ بكل ما يُسْتَطاعُ
يومَ يأتي الحسابُ ما لِظَلوم -- من حميمٍ ولا شفيع يُطاعُ [10]

وكقول بعضهم [11]:
إِن كانت العُشَّاقُ في أَشواقِهم -- جَعَلوا النَّسيمَ إلى الحَبيبِ رَسولاَ
فأَنا الذي أَتْلو عليهم ليْتَني -- كنتُ اتَّخذْتُ معَ الرَّسولِ سَبيلاَ  [12]

وكقول الشاعر [13]:
رَحَلُوا فَلَستُ مُسَائِلاً عَنْ دَارهِمْ -- أنَا "بَاخِعٌ نَفْسِي عَلَى آثَارَهِمْ [14]

 وكقول الآخر [15]:
ولاحَ بحكمتي نورُ الهُدى في -- ليالٍ للضَّلالَةِ مُدْلَهِمَّهْ
يُريد الجاهلون ليُطْفِئُوهُ -- ويأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّهْ [16]

ومثالهُ من الحديثِ في النثرِ قولُ الحريري: "شاهتِ الوجوهُ[17]، وقبحَ اللكعُ ومن يرجوهُ".
وكقول الحريري أيضاً: "وكتمانُ الفقرِ زهادةٌ، وانتظارُ الفرجِ بالصبرِ عبادةٌ"[18].

ومثالهُ من الحديثِ في الشعر قولُ الشاعر [19]:
قالَ لي إنَّ رَقيبِي -- سَيِّئُ الخُلق فَدَارِهْ
قلتُ دَعني وَجهكَ الجنَّ -- ةُ حُفَّتْ بالمكارِهْ[20]

وكقول الشاعر [21]ِ:
فلو كانتِ الأخلاق تُحْوَى وراثةً -- ولو كانتِ الآراءُ لا تتشعّبُ
لأصبحَ كلُّ الناس قدْ ضمَّهم هوًى -- كما أنَّ كلَّ الناسِ قدْ ضمَّهم أبُ
ولكنها الأقدارُ «كلٌّ مُيَسَّرٌ -- لما هو مخلوق لهٌ»[22] ومُقَرَّبُ

وكقول القائل [23]:
لا تُعادِ النَّاسَ في أَوْطانِهمُ -- قَلَّما يُرْعى غَريبُ الوَطَنِ
وإذا ما شئتَ عَيْشاً بينهُمْ -- خالِقِ النَّاسَ بخُلْقٍ حَسَنِ [24].

[1]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 129) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 221) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 8).

[2]- مأخوذ من قوله تعالى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (77) سورة النحل.

[3]- من قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} (45) سورة يوسف.
[4]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).

[5]- من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (43) سورة النــور.

[6]- العقد الفريد - (ج 2 / ص 405) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 129)  ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 396) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).

[7]- من قوله تعالى: {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (18) سورة يوسف.

[8]- من قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران.

[9]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).
[10]- من قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (18) سورة غافر

[11]- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 411)  وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).
[12]- من قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (27) سورة الفرقان.

[13]- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 411)  وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 8)... بخع نفسه: قتلها غماً.
[14]- من قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (6) سورة الكهف.

[15]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 130)  ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 409)  وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).
[16]- من قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (32) سورة التوبة.

[17]- أخرجه مسلم   برقم(4719 ) من طريق إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حُنَيْنًا فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تَقَدَّمْتُ فَأَعْلُو ثَنِيَّةً فَاسْتَقْبَلَنِى رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ فَأَرْمِيهِ بِسَهْمٍ فَتَوَارَى عَنِّى فَمَا دَرَيْتُ مَا صَنَعَ وَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا وَعَلَىَّ بُرْدَتَانِ مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا مُرْتَدِيًا بِالأُخْرَى فَاسْتَطْلَقَ إِزَارِى فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْهَزِمًا وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزَعًا ». فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ «شَاهَتِ الْوُجُوهُ». فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلاَّ مَلأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

[18]- أخرج البيهقي  في شعب الإيمان  برقم (9647) عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انتظارُ الفرجِ بالصبرِ عبادةٌ». وهو حسن لغيره.

[19]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 157) ومعجم الأدباء - (ج 1 / ص 271)  والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 129)  ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 397)  وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).

[20]- أخرج مسلم برقم ( 7308)ٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ».
[21]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 130) وجواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 17).

[22]- أخرج البخاري برقم (4949 )عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ « اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ». ثُمَّ قَرَأَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) الآيَةَ. ينكت: يضرب.

[23]- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - (ج 7 / ص 375)  والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 130) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 412)  والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 8) -يرعى غريب الوطن: أى يلحظ بالإحسان.

[24]- أخرج الترمذى  برقم( 2115 )  َنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » وهو صحيح.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال