الغرضُ من التشبيهِ والفائدةُ منه: هي الإيضاحُ والبيانُ في التشبيهِ غير المقلوبِ، ويرجعُ ذلك الغرضُ إلى المُشبَّهِ والمشبَّهِ به.
أولاً- ما يعودُ على المشبَّهِ من أغراضٍ:
1- تهويلُ المشبَّهِ وجعله مهاباَ، إذا كان المشبَّهُ به أخوفَ عندَ الناس كقول عنترةَ [1]:
وأنا المنيَّةُ حينَ تشتجرُ القنا ... والطّعنُ منِّي سابقُ الآجالِ
2- بيانُ حالهِ إذا كان المشبَّهُ به معلوماً عند السامعِ بتلك الصفةِ التي يقصَدُ اشتراكُ الطرفين فيها، كما في قول النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «إِنَّهُمَا مِنَ الدِّينِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ» [2]، وكقوله النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِى الرَّأْسِ»[3].
أو حينما يكونُ المشبَّهُ مبهماً غيرَ معروفِ الصفةِ، الّتي يراد إثباتُها له قبلَ التشبيهِ، فيفيدُه التشبيهُ الوصفُ، ويوضحُه المشبَّهُ به، نحو: شجرُ النارنجِ كشجرِ البرتقالِ ، ومثلُ قول الشاعر [4]:
إذا قامتْ لحاجتُها تَثَنَّتْ ... كأنّ عِظامَها منْ خَيزرانِ
شبهَ عظامَها بالخيزرانِ بياناً لما فيها من اللينِ .
3- بيانُ مقدار حالِ المشبَّهِ في القوةِ والضعفِ والزيادةِ والنقصانِ، وذلك إذا كانَ المشبَّهُ معلوماً معروفَ الصفةِ الّتي يرادُ إثباتُها له معرفةً إجماليةً قبلِ التشبيهِ ، بحيثُ يرادُ من ذلك التشبيهِ بيانُ مقدار نصيبِ المشبَّهِ من هذه الصفةِ، وذلك بأنْ يعمدَ المتكلِّمُ لأنْ يبينَ للسامعِ ما يعنيهِ من هذا المقدارِ ،كقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة/74]، ومثل قول الأعشى [5]:
كأَنَّ مِشْيَتَها مِن بَيْتِ جارَتِها -- مَرُّ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
وكتشبيهِ الماءِ بالثلجِ في شدةِ البرودةِ.
4- تقريرُ حالهِ وتقويةُ شأنِها، و تمكينُه في ذهن السامعِ، بإبرازِها فيما هي فيه أظهرُ، كما إذا كان ما أسنِدَ إلى المشبَّهِ يحتاجُ إلى التثبيتِ والإيضاحِ، فتأتي بمشبَّهٍ به حسيٍّ قريبِ التصوُّرِ، يزيدُ معنى المشبِّهِ إيضاحاً لما في المشبَّهِ به من قوةِ الظهورِ والتمامِ، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً [النور/39] }، ومثل: (العِلمُ في الصِّغَرِ كالنَّقشِ في الحجَرِ).
ومثلُ قول الشاعر [6]:
إِنّ القُلوبَ إذا تنافر ودُّها -- شِبْهُ الزُجَاجَة ِ كسْرُها لا يُشْعَبُ
شبَّه تنافرَ القلوبِ بكسرِ الزجاجةِ، تثبيتاً لتعذرِ عودةِ القلوبِ إلى ما كانتْ عليه من الأنسِ والمودَّةِ.
5- بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، وذلك حينَ يسنَدُ إليه أمرٌ مستغرب لا تزولُ غرابتُه إلا بذكر شبيهٍ له، معروفٍ واضحِ مسلَّمٍ به، ليثبتَ في ذهنِ السامعِ ويقررَ، كقول المتنبي [7]:
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأَنْتَ مِنهُم -- فإنَّ المسكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ
يقولُ: إنْ فضلتَ الناسَ وأنتَ من جملتِهم فقدْ يفضلُ بعضُ الشيء جملتَه ،كالمسكِ وهو بعضُ دمِ الغزالِ، وقد فضلهُ فضلاً كثيراً، أرادَ أنهُ فاقَ الأنامَ في الأوصافِ الفاضلة ِإلى حدٍّ بطلَ معه أن يكونَ واحداً منهم، بل صارَ نوعاً آخرَ برأسهِ أشرفَ من الإنسانِ.
6- مدحهُ وتحسينُ حالهِ، ترغيباً فيه، أو تعظيماً له، بتصويرهِ بصورةٍ تهيِّجُ في النفسِ قوى الاستحسانِ، بأنْ يعمدَ المتكلِّمُ إلى ذكر مشبَّهِ بهِ مُعجبٍ، قد استقرَّ في النفسِ حُسنُه وحبٌّه فيصوِّرُ المشبَّهَ بصُورتِه، كقول الشاعر [8]:
رُبّ سوْداءَ وهيَ بيضاءُ معنى -- نافَسَ المِسك في اسمِها الكافورُ
مثلُ حبِّ العُيون يَحْسبهُ النّا -- سُ سواداً وإنما هوَ نورُ
ونحو قول النابغة [9]:
فإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبٌ -- إِذا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهنَّ كَوْكَبُ
7- تشويهُ المشبَّهِ وتقبيحُه، تنفيراً منه أو تحقيراً له، بأنْ تصوِّرَه بصورةٍ تمجُّها النفسُ، ويشمئزُّ منها الطبعُ، كقول الشاعر [10]:
لها جِسم بُرْغوث وساقا بَعُوضةٍ -- ووَجْهٌ كَوَجْه القِرْد أو هو أقْبَحُ
و كقول المتنبيِّ [11]:
وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ -- قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ
8- استطرافُه: أيْ عدُّهُ طريفاً حديثاً، بحيثُ يجيءُ المشبَّهُ به طريفاً، غيرَ مألوفٍ للذهن؛إما لإبرازهِ في صورة الممتنعِ عادةً، كما في تشبيهِ فَحم ٌفيه جَمْرٌ متقدٌ ببحرٍ من المسكِ موجَّهِ الذهبِ، ونحو قول الشاعر[12]:
وكأنَّ مُحْمرَّ الشَّقي -- قِ إِذا تصَوَّبَ أو تَصَعَّدْ
أعلامُ ياقوتٍ نُشِرْ -- نَ عَلى رماح من زَبَرْجَدْ
وإمَّا لندورِ حُضورِ المشبَّهِ به في الذهنِ عند حضورِ المشبَّه، كقول ابن المعتزِّ في الهلال[13]:
أنظرْ إليه كزورقٍ منْ فضَّةٍ -- قدْ أثقلته حُمولةٌ من عنبرِ
ثانياً- ما يعودُ على المشبَّهِ به من الأغراضِ:
1- المبالغةُ في شأنِ المشبَّهِ، كقول القائل : حجرٌ كقلبِ الظالمِ
2- الاهتمام بشأن المشبه به كقول عنترة:
وَلَقَد ذَكَرْتُكِ والرّمَاحُ نَواهِلٌ، -- مِنّي وبِيضُ الهندِ تَقْطُرُ من دَمي
فَوَدِدْتُ تَقبيلَ السّيُوفِ لأنّها -- لَمَعَتْ كَبَارِقِ ثَغْرِكِ المُتَبَسِّمِ
[1]- منتهى الطلب من أشعار العرب - (ج 1 / ص 48) ولباب الآداب لأسامة بن منقذ - (ج 1 / ص 55).
[2]- المعجم الأوسط للطبراني برقم(5513) ومجمع الزوائد برقم(14354)ومعجم ابن الأعرابي - (ج 1 / ص 343) برقم (342 ) وهو حسن لغيره.
[3]- مسند أحمد برقم (23580) وهو حسن لغيره.
[4]- زهر الآداب وثمر الألباب - (ج 1 / ص 7) ومحاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 457) والكشكول - (ج 1 / ص 120) والعقد الفريد - (ج 2 / ص 339).
[5]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 48) ولباب الآداب لأسامة بن منقذ - (ج 1 / ص 104)والحماسة البصرية - (ج 1 / ص 144) والجليس الصالح والأنيس الناصح - (ج 1 / ص 331) وجمهرة أشعار العرب - (ج 1 / ص 3) وخزانة الأدب - (ج 1 / ص 444) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 155) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 16 / ص 251).
[6]- تراجم شعراء موقع أدب - (ج 13 / ص 32).
[7]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 198) والوساطة بين المتنبي وخصومه - (ج 1 / ص 49) و لباب الآداب للثعالبي - (ج 1 / ص 60) وزهر الآداب وثمر الألباب - (ج 1 / ص 53) والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - (ج 1 / ص 114) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 2 / ص 279) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 39).
[8]- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 274).
[9]- البديع في نقد الشعر - (ج 1 / ص 69) والمصون في الأدب - (ج 1 / ص 3) ونقد الشعر - (ج 1 / ص 13) والعمدة في محاسن الشعر وآدابه - (ج 1 / ص 156) ولباب الآداب للثعالبي - (ج 1 / ص 32)والحماسة البصرية - (ج 1 / ص 51) والشعر والشعراء - (ج 1 / ص 27) وخزانة الأدب - (ج 3 / ص 411) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 307).
[10]- العقد الفريد - (ج 1 / ص 441) والمستطرف في كل فن مستظرف - (ج 1 / ص 248).
[11]- شرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 173) ومحاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 449) ومعجم الأدباء - (ج 2 / ص 395) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 114).
[12]- محاضرات الأدباء - (ج 2 / ص 82) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 3 / ص 233) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 71) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 155) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 130).
[13]- تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة) - (ج 1 / ص 101) ومحاضرات الأدباء - (ج 2 / ص 67) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 37).
التسميات
علم البلاغة