تقسيم الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار.. اسم جامد لذات. فعل أو اسمَ فعل أو اسم مشتق أو اسم مبهم أو حرف

تكونُ  الاستعارةُ  باعتبار اللفظِ المستعارِ في الأفعالِ أو المشتقاتِ أو الحروفِ على النحو التالي:

1- إذا كانَ  اللفظُ المستعارُ «اسماً جامداً لذاتٍ» كالبدرِ إذا استعيرَ للجميلِِ، أو «اسماً جامداً لمعنًى» كالقتلِ إذا استعيرَ للضربِ الشديدِ، سميتِ الاستعارةُ «أصليَّةً».
كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم.
وكقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء.
وسمِّيتْ أصليةً  لعدمِ بنائها على تشبيهٍ تابعٍ لتشبيهٍ أخرَ معتبَرٍ أوَّلاً.

وكقول المتنبي يمدح بدر بن عمار [1]:
في الخّدّ أنْ عَزَمَ الخَليِطُ رَحيلا -- مَطرٌ يَزيدُ بهِ الخُدُودُ مُحُولا

يقول: إذا عزمَ الخليط ُرحيلاً بكى المحبُّ بكاءً مثلَ المطر، إلا أنهُ لا ينبتُ العشبَ كغيره من الأمطار، والخدودُ يزيد محلُها به.

2- إذا كان اللفظ المُستعارُ «فعلاً» أو اسمَ فعلٍ، أو اسماً مشتقاًّ أو اسماً مبهماً أو حرفاً.
فالاستعارةُ « تصريحيةٌ تبعيةٌ» نحو: نامتْ همومي عنّي، ونحو: صهٍ: الموضوعُ للسكوتِ عن الكلام، والمستعملُ مجازاً في ترك الفعل.
ونحو: الجنديُّ قاتلَ اللصَّ، بمعنى ضاربَه ضرباً شديداً.
ونحو: هذا: الموضوعةُ للإشارة ِ الحسيَّةِ.
والمستعملةُ مجازاً في الإشارةِ العقليةِ نحو: هذا رأيٌ حسنٌ، ونحوقوله تعالى على لسان فرعون: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ  [طه/71])، ونحو قوله تعالى  عن موسى عليه السلام: (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص/8]).

3- إذا كان اللفظُ المستعارُ اسماً مشتقاً، أو  اسماً مبهماً، «دون باقي أنواع ِالتبعيةِ المتقدِّمَة» فالاستعارةُ « تبعيةٌ مكنيةٌ»، وسميتْ (تبعيةً) لأنَّ جريانِها في المشتقاتِ، والحروفِ، تابعٌ لجريانها أولاً: في الجوامدَ، وفي كلياتِ معاني الحروفِ، يعني: أنها سميتْ تبعيةً لتبعيتِها لاستعارةِ أخرى، لأنها في المشتقاتِ تابعةً للمصادرِ، ولأنها في معاني الحروفِ تابعةً لمتعلّقِ معانيها، إذ معاني الحروفِ جزئيةٌ، لا تتصورُ الاستعارةُ فيها إلا بواسطة كليٍّ مستقلٍّ  بالمفهوميةِ  ليتأتَّى كونُها مشبَّهاً، ومشبَّها بها، أو محكوماً عليها، أو بها.

نحو: ركبَ فلانٌ كتفي غريَمهُ، أي: لازمَه ملازمةً شديدة .
وكقوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة/5])، أي تمكنوا منَ الحصول على الهدايةِ التّامَّةِ، ونحو: (أذقتَهُ لباسَ الموتِ) أي ألبستُه إياهُ.

و في الحروفِ كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) [القصص/8، 9]}.

قال القرطبىُّ [2]: "قوله - تعالى -: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} لما كان التقاطهُم إياهُ يؤدّي إلى كونه لهم عدوّاً وحزناً؛ فاللام في {ليكونَ} لام العاقبة ولام الصيرورة؛ لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرّةَ عين، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوّاً وحزناً ، فذكر الحال بالمآل؛ كما قال الشاعر [3]:
وللمنايا تُربِّي كلُّ مُرْضِعةٍ -- ودُورُنا لخراب الدهر نَبْنِيها

وقال آخرُ [4]:
فلِلْمَوت تَغْدُّو الوالداتُ سِخَالَها -- كما لِخَرابِ الدَّهْر تُبْنَى المَساكنُ

أي فعاقبة البناء الخراب وإن كان في الحال مفروحاً به . والالتقاط ُوجود الشيءِ من غير طلبٍ ولا إرادةٍ. والعربُ تقول لما وجدته من غير طلب ولا إرادة: التقطهُ التقاطاً. ولقيتُ فلاناً التقاطاً.
قال الراجز [5]:
ومَنْهَلٍ وَرَدْتُه الْتِقَاطَا -- لم أَرَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا
ومنه اللقطة".

ويرى بعضُهم أنَّ اللام هنا يصحُّ أن تكون للتعليلِ، بمعنى، أنَّ الله - تعالى - سخَّر بمشيئتهِ وإرادتهِ فرعونَ وآله. لالتقاط موسى، ليجعله لهم عدوًّا وحزناً، فكأنَّه - سبحانه - يقول: قدَرنا عليهم التقاطَه بحكمتِنا وإرادتِنا، ليكون لهم عدوا وحزنا.

- قرينةُ الاستعارةِ [6]:
فالقرينة: هي الأمرُ الذي ينصِّبُه المتكلمُ دليلاً على أنه أراد باللفظِ غيرَ معناهُ الحقيقيِّ.

وهي نوعانِ: لفظيةٌ وغير لفظيةٍ.
فاللفظيةُ: هي ما دل َّعليها بلفظٍ يذكَرُ في الكلام ليصرفَه عن معناهُ الحقيقيِّ،  ويوجهَهُ إلى معناهُ المجازيِّ المرادِ على أن يكونَ من ملائماتِ المشبَّه به في الاستعارةِ التصريحيةِ، ومن ملائماتِ المشبَّهِ في الاستعارةِ المكنيةِ

وأما غيرُ اللفظيةِ: فهي التي دُلَّ عليها بأمرٍ خارجٍ عن اللفظِ، وهذا النوعُ من القرينةِ يسمَّى (قرينةً حاليةً) لأنها أمرٌ عقليٌّ لا يدَلُّ عليه بلفظٍ من الكلامِ ، بل يدَلُّ عليه بالحالِ كقول الحطيئة [7]:
ماذا تَقُولُ لأَفْراخٍ بِذِي مَرَخٍ -- حُمْرِ الحَواصِلِ لا ماءُ ولا شَجَرُ
أَلْقَيْتَ كاسِيَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَة -- فاغْفِرْ، عليكَ سَلامُ اللّهِ يا عُمَرُ

فكلمةُ أفراخٍ استعارةٌ، فقد شبَّه الشاعرُ أطفالَه الصغارِ بأفراخِ الطيرِ بجامعِ العجز ِوالحاجةِ إلى الرعايةِ في كلٍّ منهما، ثم استعارَ الأفراخَ على سبيل الاستعارةِ التصريحيةِ الأصليةِ .

[1]- تفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطيب المتنبي - (ج 1 / ص 74) وشرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 114) والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - (ج 1 / ص 134) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 68) والإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 131).

[2]- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 4203).
[3]- الجليس الصالح والأنيس الناصح - (ج 1 / ص 460).
[4]- حياة الحيوان الكبرى - (ج 1 / ص 388) ومختار الصحاح - (ج 1 / ص 278).

[5]- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال - (ج 1 / ص 507)وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال - (ج 1 / ص 508) والأمثال لابن سلام - (ج 1 / ص 70) والجليس الصالح والأنيس الناصح - (ج 1 / ص 412) والمستقصى في أمثال العرب - (ج 1 / ص 135) وتاج العروس - (ج 1 / ص 4951) ولسان العرب - (ج 7 / ص 392).

[6]- الإيضاح في علوم البلاغة - (ج 1 / ص 103) ومفتاح العلوم - (ج 1 / ص 165-175) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 1288).

[7]- تفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطيب المتنبي - (ج 1 / ص 29) ومختارات شعراء العرب - (ج 1 / ص 40) والحماسة البصرية - (ج 1 / ص 58) ومحاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 407) وخزانة الأدب - (ج 1 / ص 406)ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 349) وطبقات فحول الشعراء - (ج 1 / ص 15)والكامل في اللغة والادب - (ج 1 / ص 17) والأغاني - (ج 1 / ص 170) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 19 / ص 43).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال