تاريخ الفتوحات الإسلامية.. طريقة كتابة في فتوح البلدان للبلاذري والفتوح لابن أعثم الكندي

فتح المسلمون الكثير من البلدان بعد غزوات رسول الله’ وفي عهد الخلفاء، فكان الخلفاء يضطرّون إلى جمع المعلومات اللازمة عن دين البلاد التي كانوا يفتحونها؛ ومن أجل السيطرة على البلاد وأخذ الجزية.

وبهذه الطريقة بدأت كتابة تاريخ الفتوحات الإسلامية وهذا الاُسلوب يبيّن كيفية فتح المدن والبلدان: إمّا بالحرب، أو الصلح، وهل كانوا أهل كتاب أو عبدة أصنام؟ وتضمّنت مصادر الفتوحات ما يلي:

1- فتوح البلدان:
يعتبر هذا النوع من الكتابة من أفضل وأحسن النماذج في كتابة التاريخ، وكتبه أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري المتوفّى 279هــ ق.

تحتوي موضوعات هذا الكتاب على فتح مناطق جزيرة العرب في عهد الرسول (ص)، وفتح بلاد الشام ومصر والعراق وفارس في عهد الخلفاء، والعصر الاُموي والعباسي.

وإضافةً إلى بيانه في كيفية فتح المدن فقد أشار للأحداث والنزاعات وتغيير القادة العرب والفاتحين حتى زمانهِ.

إنّ كتاب «فتوح البلدان» مصدر مهمّ، ولكنّه غير موسّع في باب حروب الردّة، والفتوحات والتاريخ والأوضاع الاقتصادية والجغرافية للمدن والبلدان.

ويعطينا هذا الكتاب معلومات مهمّة في هذا الباب عن التكوين العسكري والإداري للمسلمين، أمثال: أسماء القادة والاُمراء والقضاة، وهجرة القبائل العربية إلى المدن، والسكان الأصلييّن وديانتهم ومقدار الخراج، وتأسيس المدن الإسلامية، واتّساع المدن القديمة، وبناء المساجد الجامعة في المدن، ويعطينا معلومات قيمة وجغرافية([1])، ويعطينا معلومات في قسمٍ منفصل عن الخراج والهدايا والخاتم والنقود والخط المقروء.

ولقد حصلنا على معلومات مفيدة في هذا البحث وفي باب هجرة القبائل الجنوبية ودورها في الفتوحات الإسلامية والشام والعراق، وعن إقامتهم في الكوفة والمدن الاُخرى، وحصلنا أيضاً على عددهم في هذا الكتاب.

وكانت طريقة البلاذري في كتابة التاريخ هي جمع الروايات مع سندها، وخاصّةً فتح المدن مع ملاحظة وقت وقوعها. وكان يأخذ أكثر رواياته من رواة ومشايخ الكوفة والمدينة والشام، أمثال: عباس بن هشام الكلبي، وحسين بن الأسود الكوفي، وعلي بن محمد المدائني، وأبي عُبيد قاسم بن سلام (المتوفّى224هــ ق)، وأبي عبيدة مَعْمَر بن مُثَنّى(المتوفّى 211هــ ق)، ومحمد بن سعد الكاتب، وعمروبن محمد الناقد, وأبي حفص الدمشقي، وهشام بن عمار الدمشقي.

وإضافةً للأسانيد التي ذكر فيها أسماءهم فإنّه يذكر في سند رواياته رواةً مجهولين آخرين. وعلى هذا الأساس فإنه يذكر أسماءهم وينقل عنهم، فيقول: جماعة من علماء مدينة كذا، ومشاهيرمدينة كذا، ومجموعة من أهل العلم ولا يذكر اسم مدينتهم، وشيوخ مدينة كذا.

ويذكر أيضاً الروايات بدون سند، ويذكر كلمة «قالوا»، وعكس هذه المعلومات المهمّة فإنّه لايعطي شرحاً دقيقاً عن استقرار القبائل في الكوفة والبصرة.

2- الفتوح:
كُتِب هذا الكتاب بقلم أبي محمد أحمد بن علي بن أعثم الكندي، المعروف بابن أعثم (المتوفّى 314هــ ق)، وكان من المحدّثين والمورّخين ومن شعراء الشيعة، ويحتوي كتاب الفتوح على الأحداث التاريخية الإسلامية بعد رحلة الرسول (ص) ابتداءً من حادثة السقيفة، وحروب الردّة، وفتوحات الشام والعراق وفارس وأرمينيا, وبداية الأحداث من أيام خلافة الإمام علي(ض) وخلافة الحسن بن علي (ض)، وخلافة معاوية، وثورة الإمام الحسين (ض)، حيث يترتب على ذلك خلافة ابن الزبير ومروان، وأحداث خلافة بني مروان، وثورة العباسيين وأبو مسلم الخراساني، وأحداث عصر خلافة العباسيين حتى خلافة المعتصم العباسي.

وترجم هذا الكتاب إلى الفارسية محمد بن أحمد المستوفي في نهاية القرن السادس الهجري. وطريقة ابن أعثم في كتابة التاريخ بصورة خبر وجمع الروايات الطوال والقصار المرتبطة بالأحداث.

وفي بعض الأحيان يذكر أسماء كثير من المشايخ والرواة، مثال ذلك: ما ذكره في بداية بحث ثورة الحسين (ض)، حيث ذكر أسماء رواته، في صفحة ويذكر في عامة الروايات كلمة «قال».

وكمثالٍ لذلك فقد نقل عدداً قليلاً من الروايات مع ذكر السند الكامل في خلافة يزيد حتى خلافة عبد الملك بن مروان المجلدالثالث، وبقية الروايات ذكركلمة «قال».

ويعتبر مشايخ ورواة ابن أعثم من مدارس مختلفة، كالمدينة والشام والعراق. وقد نقل أكثر رواياته عن الواقدي وهشام بن محمد الكلبي ونصر بن مُزاحم وأبي مخنف.

إنّ وجود آثار لمؤرّخين قبل ابن أعثم قد يغنينا عن الرجوع إلى كتاب الفتوح، ولكن ينبغي القول: إنّ له اهتماماً كثيراً بالخطب والرسائل والأشعار والأراجيز، مثلاً في باب «وقعة صفّين» فقد نقل أكثر رواياته عن نصر بن مُزاحم، إلّا أنّه أشار إلى مواضيع اُخرى يبدو أنّها مهمّة، مثل قصة أويس القرني التي ذكرها في خمس صفحات، في حين أنّ نصر بن مُزاحم إكتفى بالإشارة إليها في رواية واحدة، أونقل عن فضائل عمار بن ياسر على لسان أمير المؤمنين علي (ض) في خُطبته الكاملة ليلة الهرير، وأشعار بعض نساء الكوفة، مثل: اُمّ سنان المذحجية، وسودة بنت عمارة الهمدانية، وزرقاء بنت عديّ الهمدانية.

وإنّ لابن أعثم اهتماماً بالأشعار، وترى ذلك بين مواضيعهِ، ويظهر أحياناً اهتماماً خاصّاً بحياة شعراء الشيعة وأشعارهم، مثل: الفرزدق والكُميت بن زياد الأزدي.

وقد جمع ابن أعثم الأحداث على أساس ترتيب الوقوع، وفي بعض الأحيان لا يهتمّ بالسنوات، ولايراعي ترتيب الأحداث، ومنها: نقل قصة حرب النهروان بعد الغارات، وجعل حرب شوشتر ونهاوند متتابعة.

ودائماً يسجّل ابن أعثم أكبر رقم في بيان عدد الجيوش، مثلاً: هناك مصادر اُخرى ذكرت أنّ عدد جيش مسلم بن عقبة في هجومه على المدينة اثنا عشرألف رجل، ولكنّ ابن أعثم ذكر (27000).

[1]. فتوح البلدان للبلاذري: 197و317.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال