كتب التاريخ العامة عن بداية البشر وذكر تاريخ الأنبياء مع اُممهم حتى ظهور الإسلام.. تاريخ اليعقوبي. تاريخ الطبري. الأخبار الطوال. تاريخ الرسل والملوك. مروج الذهب

كتب التاريخ العامة هي المصنّفات التي دوّنها المؤرّخون الإسلاميون عن تاريخ بداية البشر وذكر تاريخ الأنبياء مع اُممهم والاُمم المختلفة حتى ظهور الإسلام، وبعد ذلك سرد تاريخ الإسلام إلى زمن حياتهِ، ويقال لها: التواريخ العامة أو العالمية:
منها: تاريخ اليعقوبي، وتاريخ الطبري، والأخبار الطوال لأبن قتيبة الدينوري، وتاريخ مروج الذهب للمسعودي.

وبرز هذا الاُسلوب في كتابة التاريخ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية. وظهرت في القرن الثالث الهجري علوم اُخرى لعلماء كبار مشابهة لتدوين التاريخ، وكسبوا معلومات كثيرة عن طريق السياحة وكسب التجربة من وحدة الأديان الإلهية والاُمة الإسلامية والعلوم العقلية لملل اُخرى.

إنّ التحقيقات التاريخية الواسعة والجغرافية وعلم النسب والأدب قد أضافوها إلى روايات الأخباريين وأسّسوا كتابة التاريخ العام وإليك بياناً مجملاً عن كتب التاريخ تلك:

أ)- تاريخ اليعقوبي:
ألّف هذا الكتاب السائح والمؤرّخ والعالم الجغرافي الإسلامي الكبير: ابن واضح، أحمد بن أبي يعقوب المعروف بعباس الإصفهاني (المتوفّى 284هـ). وموضوع هذا الكتاب عن تاريخ الأنبياء، والاُمم السريانية، والبابلية والهندية واليونانية والرومية والفارسية والصينية والقبطية والحبشية، والقبائل العربية قبل الإسلام في اليمن والحيرة والشام، وأديان العرب وأيّامهم.

ثم يأخذ اليعقوبي بشرح حياة أجداد رسول الله’ وسيرة عهد البعثة والهجرة حتى رحلة نبي الإسلام (ص).

والقسم الآخر من كتابه اختصّ بذكر تاريخ الخلفاء الراشدين وبني اُمية وبني العباس، حتى يصل إلى عصر المعتمد العباسي عام 259هجري، مع أنّ هذا القسم يختصّ بتاريخ الخلفاء، وقيل: إنّ اليعقوبي كان شيعياً، فقد كتب عن حياة أئمة الشيعة والمنتخب من خطبهم مع ثورات الشيعة.

وفي قسم ما قبل الإسلام كان لديه رغبة في تدوين تاريخ الديانات وثقافة الاُمم المختلفة إلّا المواضيع المرتبطة بفارس، وربما كان السبب في ذلك هو عدم حصوله على مصادر معتبرة في تاريخ سياسة الاُمم اليونانية والعربية والهندية.

كان اُسلوب اليعقوبي في كتابة التاريخ وفقاً لتسلسل المواضيع، مع مراعاة الترتيب الزمني في وقوع الأحداث، فقد ذكر فهرساً عن مصادرهِ في بداية قسم التاريخ الإسلامي، وكان يكتب أحياناً الروايات مع سندها بين المطالب (مثل الصفحات 318 و325 و391 من المجلد الأوّل, و347 و360 و452 من المجلد الثاني).

ولأنّ اليعقوبي ملمٌّ بعلم الفلك والنجوم، فعمل جدولاً من صور الفلك في بداية كل خليفة.
ويكتب في نهاية كل خليفة من الخلفاء فهرس عن الوزراء والولاة والقضاة وأبنائهم، والحوادث الطبيعية التي وقعت في عهد كل خليفة، مثل: السيول والجفاف والزلازل والأمراض المعدية.

واستُفيد في بحثنا هذا من تدوين اليعقوبي في موضوع البلدان وأنساب القبائل اليمنية، وفهرس كامل عن مخاليف اليمن ووفود اليمنيين إلى رسول الله (ص)، وتاريخ عصرالخلفاء الراشدين وخاصة الخليفة الثالث وأميرالمؤمنين علي (ض).

وتبع اليعقوبي غيره في اختصار الأحداث ولكن مع قلّة إِبهامٍ في مواضيعه. وليس من اللائق بمؤرّخ شيعي أن يذكر خلافة الإمام الحسن بن علي (ض) في صفحتين وثورة الحسين× بأربع صفحات.

ب)- الأخبار الطوال:
ألّف هذا الكتاب الرياضي والمنجّم والأديب والعالم بالنبات والمؤرّخ الكبير الفارسي: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفّى قبل 290هـ)، درس في مدرسة العراق (البصرة والكوفة)([1]).

وكتاب الأخبار الطوال تاريخ عام يحتوي على تراجم الأنبياء والملوك، أمثال ملوك: فارس والروم واليمن. وتاريخ فارس من التاريخ الأساطيري حتى نهاية العهد الساساني.

بدأ أبو حنيفة بتدوين تاريخ الإسلام من فتح فارس في أيّام عمر، وشرح بالتفصيل عهد خلافة علي (ض) وخلافة معاوية ويزيد وثورة الحسين× واستشهاده، وشرح بالتفصيل ثورة المختار وابن الزبير، وخلافة الاُمويين حتى سقوطهم. ويكتب مواصلاً عن ثورة وخلافة العباسيين حتى وفاة المعتصم في عام 227هجرية.

ويتّضح انتماؤه الفارسي من خلال اهتمامه بتاريخ الساسانيين، وفتح فارس، وإبراز وجود الموالي في ثورة المختار.

واُسلوب الدينوري في كتابة التاريخ اُسلوب موضوعي بدون ذكر المصادر والسند، ولكنّه أشار إلى اسم (21) راوياً بين مواضيعه، مثل: عُبَيْد بن شريَّة، والشعبي، وكَيس النمري، وهيثم بن عدي.

وقد استفدنا من مواضيعهِ في هذا البحث في باب قادة حرب الجمل وصفّين، وولاة الإمام علي (ض)، وأحداث أيّام خلافتهِ وثورة المختار، ودور الموالي في ذلك، ومع هذا فإنّ أبا حنيفة لم يعطِ الاهتمام الكافي لمكانة الأفراد والقبائل.

ج)- تاريخ الرسل والملوك:
مؤلّف هذا الكتاب الأديب والمفسر والفقيه والمؤرخ الفارسي الكبير محمد بن جرير الطبري (المتوفّى 310هـ)، يعتبر هذا الكتاب تدويناً لتاريخ العالم العام من بداية الخلقة حتى عام (302) هجرية.

وتكون موضوعات ومصادر المؤلّف هي:
1- بداية الخلق وتاريخ الأنبياء، وقد اُخذت من القرآن ومن روايات محمد ابن إسحاق وروايات من التوراة والإنجيل، عن وهب بن مُنبه ومحمد بن كعب القُرَظي.

2- تاريخ إيران من ترجمة عبدالله بن المقفّع ومن آثار هشام بن محمد الكلبي وأبي عبيدة معمّر بن مُثَنّى، وعن أخبار الاُمم الماضية من العجم والعرب([2]).

3- تاريخ العرب قبل الإسلام (الأنساب والأيّام)، عن عُبَيْد بن شَريَّة ومحمد بن كعب القُرَظي ووهب بن مُنَبِّة وهشام بن محمد الكلبي وابن إسحاق.

4- سيرة الرسول (ص)، عن عروة بن الزبير، وأبان بن عثمان، ومحمد بن مسلم شهاب الزُهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق.

5- حروب الردّة والفتوحات، عن سيف بن عمر التميمي والمدائني.
6- عصر خلافة علي (ض)، عن سيف بن عمر التميمي وأبي مخنف والمدائني.

7- عصر الاُمويين وثورات الشيعة، عن عوانة بن الحكم وأبي مخنف، والمدائني، والواقدي، وعمر بن شبَّة، وهشام بن محمد.

8- تاريخ العباسيين حتى عام (302) هجري، عن أحمد أبي خثيمة، وأحمد بن زُهير، والمدائني، وهيثم بن عدي، والواقدي وابن طيفور. اذن فمصادر الطبري اُخذت من مدرسة العراق والمدينة واليمن وفارس.

وقد جمع الطبري روايات الأحداث قبل الإسلام بشكل موضوعي مع البيان الموثق، وكتب بشكل سيرة حياة رسول الله (ص) وأجدادهِ حتى الهجرة، وجمع أحداث الهجرة حتى عام 302 هجري بصورة أحوال حسب سنة الحدث والسنوات المتتالية.

وكانت طريقة تدوينه كالمحدّثين، فجمع الروايات مع سندها المتعلقة بالأحداث. وكان إذا أخذ سند الرواية التي سمعها بنفسهِ أومن مصادر اُخرى فإنّه يوصلها إلى راويها الأصلي الذي كان حاضراً في الواقعة، أو إلى الأفراد الآخرين الذين كانوا شاهدين.

والروايات التي سمعها وعنده إجازة الرواية من مصدرها فإنّه يبدأ بالكلمات «حدَّثنا» و«حدَّثني» و«أخبرنا» و«كَتَبَ إليَّ»، ويبدأ بالروايات التي أخذها من مصادر اُخرى بعبارة «قال» و«حُدِّثتُ» و«ذكر».

ويمكن شرح بعض خصائص تاريخ الطبري كمايلي:
- كَتَب الطبري الأحداث حسب تسلسل السنوات المتمادية، وذكر في كلّ عام أهمّ حادثة في بداية أحداث تلك السنة.
- دفاع الطبري عن قوة الخلفاء الراشدين وخلفاء بني اُمية وبني العباس، ولكنّه لا ينكر أعمال بني اُمية الوحشية.
- اهتمامه الكثير بالأحداث السياسية والعسكرية، وقليلاً ما كان يهتمّ بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية.
- وكان يذكر في نهاية كل سنة أسماء القضاة ومسؤولي الحج والولاة والأحداث غير المتوقعة.

ويذكر الطبري تحليلات محكمة في المواضيع، أمثال تحليله لكيفية حكم ملوك اليمن([3]) أو كان يكتب عن سبب انتصار عكرمة بن أبي جهل على قبيلة المَهرة وبيّن أنّ السبب في انتصار المسلمين هو اختلاف زعماء المهرة([4]).

يروي الطبري روايات مختلفة متناقضة في موضوع واحد الأمر الذي يؤدّي إلى حيرة القارئ في اختيار أيّها، ويخلط ترتيب الأحداث بعضها مع بعض، من ذلك: يذكر ثمان روايات([5]) حول وفاة الخليفة الثاني.

وفي بعض الأحيان يذكر روايات متعددة وبأسانيد مختلفة في أمكنة مختلفة حول موضوع واحد، ومثال ذلك: حبس أبي محجن الثقفي ومشاركته في حرب القادسية([6])، أوذكره لتأسيس الكوفة مرةً في أحداث السنة الرابعة عشرة، ومرة اُخرى في أحداث السنة السابعة عشرة.

وينقل الطبري شرحاً جيّداً حول ثورة الإمام الحسين× وحركة حجر بن عدي والتوّابين وثورة المختار من رواة موثّقين، أمثال أبي مخنف، حيث إنّه استفاد الكثير من هؤلاء في هذا البحث.

ومن خلال المطالعة والبحث وصلنا إلى مجموعة من الإشكالات إذ أنّ في ذكرها الفائدة، حيث قد ذكر الطبري في البحوث المتعلّقة بالخلقة وتاريخ الأنبياء بعض الإسرائيليات والخرافات، ونقل عن محمد بن كعب اُسطورة الغرانيق. وقِسْ ذلك على ما يلي ذِكره:

1ـ أخذ الطبري الكثير من رواياتهِ في باب حروب الردّة والفتوحات والقيام ضد عثمان وحرب الجمل عن سيف بن عمر التميمي، والحال أنّ علماء الرجال والمحققين شكّكوا في علمهِ.

ويكفي لعدم الوثوق بهذا الرجل أنّه أدخل العديد من الشخصيات الاُسطورية وبعض الأماكن الجغرافية. علماً بأنّ هؤلاء الأشخاص والأماكن ليس لهم وجود في أي مصدر آخر إلّا في تاريخ الطبري، منها: اُسطورة عبدالله بن سبأ، وعدد قتلى جيش خالد بن الوليد التي لا تحصى، والذين قُتلوا من معسكرات حدود فارس في الحفير وثني ووَلَجَة واُلَّيس، وعلى أساس قول سيف بن عمر فقد قُتل في اُلَّيس نحو سبعين ألف رجل([7])، وهذا كذبٌ محض؛ لأنّه لا يوجد هذا العدد في أي معسكر حدودي ولا هكذا قوة.

2- أدخل الطبري في التاريخ أخبار خرافية وكاذبة، منها: قصة عاصم بن عمر حيث سار حتى أتى «ميسان»، فطلب غنماً أوبقراً فلم يقدر عليها، وتحصّن منه مَن في الأفدان ووغلوا في الآجام، ووغل حتى أصاب رجلاً على طفّ أجمة فسأله واستدله على البقر والغنم، فحلف له وقال: لا أعلم، وإذا هو راعي ما في تلك الأجمة، فصاح منها ثور كذب والله([8]).

أو نموذج آخر بخصوص ارتحال جيش علاء بن الحضرمي إلى جزيرة دارين، حيث كتب: فأجازوا الخليج جميعاً يمشون على مثل رملة ميثاء، وإنّ ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر، وفتحوها([9]).

وكذلك ذكر أخبار خرافية اُخرى بخصوص الأسود العنسي عن سيف بن عمر، في أنّ الأسود كان معه شيطان يوحي له!([10])

3- ويعتبر الطبري المؤسّس لإسقاط بعض الوقائع التاريخية، منها: حذف رسالة محمد بن أبي بكر إلى معاوية وجوابه، كما قال الطبري: فذكر مكاتبات جرت بينهما، كرهت ذكرها لما فيه ممّا لايحتمل سماعها العامة!([11])

ونموذج آخر، وهو حذف عبارة من كلام عمارٍ: «إنّ عثمان لم يرضَ بحكم الله»، حيث قالها لأصحابه في معركة صفّين، في الوقت الذي نقلها نصر بن مزاحم عن نفس راوي الطبري:زيد بن وهب الجهني ([12]).

4- يعتبر سيف بن عمر المصدر الخبري للطبري، وقد حرّف سيف تدوين تاريخ السنوات في بعض الأحداث، منها: ذكر هجوم الأحنف بن قيس التميمي لخراسان في السنة الثامنة عشرة، في حين أنّ فتح خراسان تمّ في عهد خلافة عثمان.

5- تعتبر روايات الطبري في باب معركة الجمل وصلح الإمام الحسن (ض) مع معاوية غير منظّمة مثل المصادر الاُخرى، ولا يوجد فيها شكل القصة المنظّمة، حيث ذكر في بيان قصة معركة الجمل: أنّ عبدالله بن سبأ - البطل في قصة سيف - قد نقض عهد الصلح بين الإمام علي (ض) والناكثين، في الوقت الذي لم ينقل أي مصدر آخر هذا الخبر، وإن وثيقة الصلح التي قدّمها أميرالمؤمنين (ض) تبيّن كذب هذه الرواية.

6- اتّسع كثيراً حجم استفادة الطبري من روايات سيف بن عمر حول حروب الردّة والفتوحات أواخر خلافة عثمان ومعركة الجمل، منها: جمع (75) رواية من (114) رواية رواها الطبري في باب الردّة عن سيف بن عمر والباقي بالترتيب روايتان عن الزُهري، وستّ روايات عن أبي مخنف وثماني عشرة رواية عن محمد بن إسحاق، ورواية عن المدائني، ورواية عن هشام بن محمد، ورواية عن ابن شَبَّة، وربّما يظنّ أنّ كلّ أخبار الطبري أساطير والأمر ليس كذلك، بل لا بدّ من التفصيل، فما اُخذ عن سيف بن عمر فلا نعتمده.

وأمّا الأحداث التي نقلها بعد معركة الجمل وهي عن رواة مؤثقين ولم ترد عن طريق سيف، وتتطابق مع روايات المصادر الاُخرى المعتبرة، كروايات نصر بن مزاحم والبلاذري ففي هذه الحالة نعتمد على روايته.

[1]. الفهرست لابن النديم: 132؛ معجم الاُدباء لياقوت الحموي: 3/26.
[2]. تاريخ الطبري: 1/399.
[3]. تاريخ الطبري: 1/450.
[4]. المصدر السابق: 2/531.
[5]. تاريخ الطبري: 3/266.
[6]. المصدر السابق: 3/ 56 و76.
[7]. تاريخ الطبري: 3/562.
[8]. تاريخ الطبري: 3/14.
[9]. تاريخ الطبري: 2/526.
ومن خرافات سيف أيضاً: ما يختصّ بذكر جنازة عبد الرحمن بن ربيعة، وفيها: أنّ أتراك «بلنجر» لازالوا يستسقون بقبر عبدالرحمن إلى اليوم ويستنصرون به. انظر تاريخ الطبري: 3/351.
[10]. تاريخ الطبري: 2/1468.
[11]. المصدر السابق: 3/557.
[12]. المصدر السابق: 4/ 27؛ وقعة صفّين:326.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال