إن مما تقاس به درجة التقدم الاقتصادي لأي دولة يعتمد في المقام الأول على درجة تقدم صناعتي المصارف والتأمين وتطورهما، فثمّت ارتباط وثيق وعلاقة قوية بين الصناعتين، وازدهارهما ينعكس على توازن ميزان المدفوعات الخاص بكل دولة، باعتبارهما من الخدمات غير المنظورة التي لها أثر إيجابي ملموس على اقتصاد الدولة ومركزها المالي.
ولقد أصبحت خدمات التأمين في الوقت الحاضر تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام رجال الأعمال في الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية وغيرها، نظراً لاعتمادهم الكبير عليها في تهيئة حالة الطمأنينة والأمان لمشروعاتهم بمختلف أنواعها، وللعاملين لديهم ولأسرهم، ولأنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها مثل: الحريق، والسرقة، والسطو، وخيانة الأمانة، والاختلاس، والتلف، والغرق، والانهيار.
ومن ذلك يتبين أن التأمين هو أحد الوسائل الحديثة الكبرى المهمة الداخلة في منظومة التنظيم الاقتصادي والمالي، فله دوره المتعاظم في التطور الصناعي، والزراعي، والتجاري، وسائر الأنشطة الاقتصادية، بل لقد أصبحت صناعة التأمين تضاهي إن لم تفق العمل المصرفي.
وفي نظرة تاريخية فإن التأمين قام على اكتشاف مبدأ اجتماعي علمي نافع، يتمثل في أن الأفراد بكلفة قليلة يمكنهم أن يتخلصوا من عبء الخسارة الناجمة عن الكوارث التي يمكن قياس احتمال حدوثها على وجه الدقة أو التقريب إذا كانت المجموعة البشرية كثيرة العدد، وهذا ليس مرغوباً الانتفاع به فحسب، بل إنه أمر متعين من أجل تحقيق التقدم والصدارة.
وفيما يتعلق بالمسلمين في الوقت الحاضر وتوجههم نحو استعادة قوتهم وموقعهم باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس، فإن النظر في طريق المعاش وعمارة الأرض التي استعمرهم ربهم فيها واحد من هذه الميادين الذي يتعين أن يحظى بحقه من الإحياء والتنظيم والعناية بعد عنايتهم بأصل دينهم وعقيدتهم.
ومن البدهي أن النظر في حكم التأمين هو نظر جزء من كل، ذلك أن التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية يحقق التعاون والتكافل على أساس محكم لم يسبق له نظير، وإن توسع الدول الإسلامية في التأمينات الاجتماعية حتى تشمل جميع فئات الرعية التي تعجز مواردها عن مواجهة الأخطار أمر لا بد منه، فإن الدولة الإسلامية في حكم الإسلام تلتزم بتأمين فرصة العمل لكل قادر عليه، وبتأمين العاجز عن العمل بإعطائه ما يكفيه في أكله، وشربه، وملبسه، وسكنه، حتى مركبه وعلاجه، كما يرى بعض الفقهاء، ولها في مورد الزكاة ما يقوم بذلك، وإن لم تفِ الزكاة بذلك فلها أن تضع من المعالجات المشروعة ما يسد حاجة الفقراء، وإعانة العجزة.
التسميات
تأمين