تاريخ المعاجم الثنائية.. تسهيل قنوات الاتصال الفكري مع اللغات الأخرى وشعوبها. المنهل. المورد للبعلبكي. معجم عبد النور

لقد استوعب القدماء على المستوى العام أهمية الترجمة، مما حتم ضرورة إيجاد معاجم لغوية ثنائية اللغة لتسهيل قنوات الاتصال الفكري مع اللغات الأخرى وشعوبها، وإذا حصرنا الحديث فيما يتعلق باللغة العربية، فإننا نصادف ثروة هائلة من المعاجم ثنائية اللغة تمتد إلى العديد من اللغات الأجنبية، منها: الفارسية والتركية والكردية والعبرية والسريانية واليونانية واللاتينية والإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية والأردية والبرتغالية والروسية والنمساوية والتشيكية والإندونيسية، إلخ.

وإذا حاولنا أن نؤرخ للمعاجم ثنائية اللغة فيما يخص اللغة العربية، فإننا نجد أقدم معجم ثنائي اللغة يعود إلى بداية القرن السادس عشر، وهو معجم (عربي - إسباني) لصاحبه بدرو دوألكالا [1505] وكان هذا المعجم يضم 22 ألف كلمة.

ولقد اتجه صاحبه إلى استقصاء اللهجة العربية العامية بغرناطة. وتلاه فيما بعد معجم، فراي فرانسيسكو، كانس [1789-1730] وطبع سنة 1775، وجاء ترتيبه حسب الموضوعات، وقد ضم بذلك 60 فصلا، محاولا أن يتناول أغلب مفرداتها، إذ جمع في كل فصل ما يتعلق بموضوعه من مفردات عربية وما يقابلها باللغة الإسبانية، وقد عالج في مقدمته قواعد اللغة العربية، وأنجز المؤلف نفسه معجماً آخر ثلاثي اللغات (إسباني-لاتيني-عربي)، وهو معجم منفصل يقدم المعاني اللاتينية والعربية للألفاظ الإسبانية مع تقديم أمثلة لإيضاح المعنى بالعربية واللاتينية.

وأما بالنسبة للغة الإنجليزية، فإن الاهتمام بإنجاز معاجم ثلاثية اللغة يعود إلى القرن الثامن عشر [1777 م] حيث اهتم جون ريتشادسون بتأليف معجم (فارسي - عربي- انجليزي) [1811-1741]، وتلاه فيما بعد معجم آخر ثلاثي اللغة (فارسي - عربي -انجليزي) لصاحبه كيركباتريك في أواخر القرن الثامن عشر [1785]، وجاء بعده معجم آخر ثلاثي اللغة في بداية القرن التاسع عشر [1810] لصاحبه دافيد هوبكينس،  الذي اختصر معجـم ريتشارد سون.

أما اللغة الفرنسية، فإنها لم تنفتح على اللغة العربية إلا في منتصف القرن التاسع عشر حيث ظهر أول معجم ثنائي اللغة (عربي-فرنسي) سنة 1860 لمؤلفه كزيمرسكي (Kazimirski).

وقد شكل قاعدة أساسية لكل المعاجم ثنائية اللغة، لما اشتمل عليه من إحاطة شبه كاملة بمفردات اللغة العربية واشتقاقها انطلاقاً من جذورها.

وتـلاه فيما بعد معجــم جاك أوكست، شربونو  (1882-1813) (Jacques Auguste, Cherbonneau)  (عربي-فرنسي). وظهر كذلك سنة 1862 معجم آخر لمؤلفه فيليب كوش  (Philippe Cuche) [1818-1885]، حيث اهتم بالفصيح وعامية لبنان وسوريا، رتبه حسب أوائل الأصول، وجمع تحت كل جذر مشتقاته.

وفي نفس الفترة صدر معجم رباعي اللغة (عربي-فارسي-تركي-فرنسي) لمؤلفه جول تيودور زنكير (Jules Théodore  Zenker) [1884-1811]، رتبه حسب نطق الكلمات العربية.

وسيختم  رينهارت دوزي ( (Reinhart Dozy[1820-1883] في بداية الثمانينيّات من القرن التاسع عشر بمعجم توثيقي سماه "التكملة"، أي سجل فيه ما لم يجده في المعاجم العربية، ورتبه حسب نطق الكلمات العربية مع حفاظه على الطبيعة الاشتقاقية للغة، إذ عند ذكر أصل الكلمة يورد تحتها مشتقاتها مع تفصيل وتوسع في الشرح بالاعتماد على المصادر والمراجع العربية.

وانصب الاهتمام أيضاً على إنجاز معاجم ثنائية اللغة في الفترة نفسها من الفرنسية إلى العربية، وقد عرفت بدورها أنواعاً متعددة.
لقد شكلت هذه المعاجم التي أنجزت في البداية قاعدة لتأليف معاجم ثنائية أو ثلاثية أو متعددة اللغات، مما سمح فعلاً بتراكم عدد كبير من المعاجم في هذا المجال.

وهكذا نلاحظ أن كل مرحلة لها خصائصها ومتطلباتها، ولها أيضاً دوافعها، منها ما هو ديني وما هو تاريخي وحضاري، كما هو شأن إسبانيا، ومنها ما هو علمي ولغوي كما هو شأن كزميرسكي ودوزي، ومنها ما هو سياسي واقتصادي كما هو شأن معجم فيليب كوش Philippe Cuche.
 
لقد قضت سنة التطور والانفتاح والتبادل الثقافي وأغراض أخرى أن تفكر الأمم بمعجمات ثنائية اللغة أو متعددة اللغات ولم يكن العرب مختلفين عن الركب في هذا الميدان.‏ وأنه لمن الصعوبة بمكان رصد المعجمات جميعاً لكن لا بد من الإشارة إلى بعضها كالمنهل (فرنسي - عربي) للدكتورين عبد النور وإدريس، والمورد (إنكليزي - عربي) وعربي إنكليزي للبعلبكي، ومعجم عبد النور (عربي - فرنسي). ويكاد يكون هناك معجم أعجمي عربي أو العكس لكل لغة من اللغات الحية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال