من المسلم به لدى رجال الفقه الدستوري أنه لا يترتب على نجاح الثورة أو الانقلاب أي مساسٍ بالقوانين العادية المعمول بها في الدولة، كالقانون المدني والقانون الجزائي وقانون الأحوال الشخصية والقانون الإداري والقانون التجاري وغيرها من القوانين الأخرى، وتأخذ اللوائح والمراسيم والأوامر والقرارات المعمول بها حكم القوانين العادية في هذا الخصوص.
فالتشريعات سواء كانت عادية أو فرعية (ثانوية) لا تتأثر مطلقاً بنجاح الثورة أو الانقلاب، وتبقى قائمةً ونافذةً ما لم تلغَ صراحةً، أو تكون متعارضة مع الشكل الجديد للحكم فتلغى ضِمناً.
وعلّة بقاء هذه القوانين أنها لا تتعلق بنظام الحكم في الدولة، الأمر الذي يفترض ألا تكون الحركة الثورية موجهة ضدها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنَّ الدولة لا يمكن أن تعيش في فراغ قانوني، وإلا كان معنى هذا أن الحركة الثورية تؤدي إلى الاضطراب والفوضى وهدم كيان الدولة وتقويض عناصر وجودها.
وهذا يخالف القاعدة الدستورية المستقرة التي تقضي باستمرارية الدولة La Continuité de L'État وديمومتها على الرغم من تغيير نظام الحكم فيها.
والدليل على صحة هذا القول أن كثيراً من التشريعات العادية الفرنسية التي صدرت في ظل النظام الملكي القديم أو في عهد نابليون بونابرت ما زالت سارية المفعول حتى الآن.
وينطبق على ذلك أيضاً الوضع في قطرنا العربي السوري، حيث إن عدداً كبيراً من القوانين التي صدرت إبّان فترة الاستقلال ما زالت نافذةً حتى يومنا هذا، رغم حدوث الكثير من التغييرات الجذرية على الصعيد السياسي.
وجدير بالذكر أن دساتير الدول المختلفة تنص عادةً على بقاء التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان الدستور الجديد (الذي وضع بعد ثورة أو انقلاب أو حتى في الظروف الطبيعية) سارية المفعول إلى أن تعدَّل أو تُلغى وفقاً للقواعد المقرَّرة في الدستور.
ومن ذلك على سبيل المثال ما ورد في المادة /163/ من الدستور السوري لسنة 1950 بقولها: ﴿إن التشريع القائم المخالف لأحكام هذا الدستور يبقى نافذاً مؤقتاً إلى أن يُعدَّل بما يوافق أحكام الدستور﴾.
وما ورد أيضاً في المادة /127/ من الدستور السوري لسنة 1953 بقولها: ﴿إن التشريع القائم المخالف لهذا الدستور يبقى نافذاً إلى أن يُعدَّل بما يوافق أحكامه﴾.
وهو أيضاً ما قررته المادة /153/ من الدستور السوري الحالي لسنة 1973، حيث قضت بأن: ﴿تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدَّل بما يوافق أحكامه﴾.
ويمكن أن نستشهد أيضاً بما ما ورد في المادة /180/ من دستور دولة الكويت لسنة 1962، من أن: ﴿كل ما قررته القوانين واللوائح والمراسيم والأوامر والقرارات المعمول بها عند العمل بهذا الدستور يظل سارياً ما لم يعدَّل أو يلغَ وفقاً للنظام المقرَّر بهذا الدستور، وبشرط ألا يتعارض مع نص من نصوصه﴾.
وأيضاً ما ورد في المادة /148/ من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الصادر سنة 1971 (المعدل سنة 1996)، حيث قضت بأن: ﴿كل ما قررته القوانين واللوائح والمراسيم والأوامر والقرارات المعمول بها عند نفاذ هذا الدستور، في الإمارات المختلفة الأعضاء في الاتحاد ووفقاً للأوضاع السائدة فيها يظل سارياً ما لم يعدل أو يلغَ وفقاً لما هو مقرر في هذا الدستور﴾.
وكذلك ما وردفي المادة /166/ من الدستور المصري لسنة 1964 المقابلة للمادة /191/ من الدستور المصري الحالي لسنة1971 من أن: ﴿كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذاً، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور﴾.
وهكذا، فإنَّ التشريعات أو القوانين العادية تبقى نافذةً ومنتجةً لآثارها إلى أن تُلغى أو تُعدَّل وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، ويتوقف مدى الإلغاء أو التعديل بطبيعة الحال على مدى الفكر القانوني الجديد، والقيم الجديدة لحكومة الثورة، ومدى اتفاق هذه التشريعات أو تعارضها مع فلسفة الثورة وإيديولوجيتها.
التسميات
قانون دستوري