بلغ الشاعر الجاهلي من رقة الشعور، ورفاهة الحس، والشعور الإنساني أن جعل من الذئب الجائع ضيفا له، يقريه، ويأنس به.
ويعرض علينا المرقش الأكبر ذئبا جائعا، يعروه مستضيفا، فيكرمه كما يكـرم الضيف، حتى إذا شبع عاد مسرورا، كأنه مقاتل ظفر بغنيمة أعدائه، فيقول:
ولمـا أضأنا النار عند شوائنا -- عرانا عليها أطـلس اللـون بائس
نبذت إليـه حـزة من شوائنا -- حياء، وما فحشي على من أجالس
فآض بها جذلان ينفض رأسه -- كما آب بالنهب الكمي المجالس
وأسماء بن خارجة تناول هذه الصورة، أيضا، فمد في أجزائها، وفصلها فوضعنا أمام ذئب جائع، بدا عليه الشقاء والبؤس، ألم به ليقريه، فقال:
ولقـد ألـم بـنا لنقريه -- بادي الشقاء محارف الكسب
يدعو الغني أن نال علقته -- من مطعم غبـا إلى غـب
فطـوى ثميلتـه فألحقها -- بالصلب بعد لدونة الصلب
ثم يصف حاجة هذا الذئب الذي استدر عطفه، ودفعه ذلك إلى أن ينحر له أكرم إبله عليه، ليطعمه ويطعم عياله الجياع، وقد صور هذا المشهد تصويرا مؤثرا، فقال:
وألـح إلحاحـا بحاجتـه -- شكوى الضرير ومزجر الكلب
ولوى التكلح يشتكي سغبا -- وأنا ابن قاتـل شـدة السغب
فرأيت أن قد نلته بـأذى -- من عذْم مثلبـة ومـن سب
ورأيت حقا أن أضيفه -- إذ رام سلمي واتقـى حربي
فوقفت معتامـا أزاولها -- بمهند ذي رونـق عضـب
فعرضته في ساق أسمنها -- فاجتاز بيـن الحـاذ والكعب
فتركتهـا لعيالـه جزرا -- عمدا، وعلق رحلهـا صحبي
التسميات
قيم إنسانية في الشعر الجاهلي