النار لهداية الضيف عند الجاهليين.. إيقاد النار على المرتفعات بالمواد طيبة الرائحة إذا حل الظلام لإرشاد الباحث عن المأوى والقرى

النار لهداية الضيف عند الجاهليين:

كان المسافرون يجوبون الصحراء الواسعة، وإذا ما حل الظلام فإنه كان يتوجب عليهم البحث عن المأوى والقرى.
وهنا يأتي دور النار التي كانت تجذبهم  وترشدهم إلى بيوت الأجواد الذين كانوا على استعداد دائم لاستقبال الغرباء.

كرم حاتم الطائي:

لقد أدرك الشعراء هذه الوسيلة الهامة من وسائل هداية الضيف، وعبروا عنها صراحة  ويأمـر حاتم الطائي غلامه أن يوقد النار، ليضمن هداية الساري الفقير إليه، بقوله:
فيا موقدي ناري ارفعاها لعلها
تضيء لسار آخر الليل مقتر

وقوله أيضا:
أوقد فإن الليل لـيل قـرّ
والريح يا موقد ريح صرّ
عسى يرى نارك من يمرّ
إن جلبت ضيفنا فأنت حرّ

وواضح أن الشاعر ينادي غلامه أن يوقد النار، لأن الليلة باردة والريح عاتية، فلعل أحد التّائهين يشاهدها، فيأوي إليها. وما أحلاها من مكافأة لهذا الغلام، إذا جذبت النار محتاجا ،إنها نيله الحرية.

الأعشى ونار المحلق:

لقد حرص الأجواد على إيقاد النار على المرتفعات، لتكون واضحة، فتشاهد من بعيد، وهذا الأعشى يذكر نار المحلق التي أوقدها على المرتفعات:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة
إلى ضوء نار في يفاع  تحرق
تشـب  لمقرورين يصطليانها
وبات على النار الندى والمحلق

نار المثقب العبدي:

والمثقب العبدي يعرض علينا مشهدا مؤثرا لسار، ضل الطريق ليلا، فأعياه السفر وأضناه. وكانت نار الشاعر هاديا له.. فلقيه مرحبا به، باشا في وجهه، وينهض بواجب الضيافة، فينتقي من إبله أفضلها، فيعقرها، ويقدمها طعاما لضيفه:
وسار تعناه المبيـت فـلم يدع
له طامس الظلماء والليـل  مذهبا
رأى ضوء نار من بعيد فخالها
لقد أكذبته  النفس بل راء، كوكبا
فلمـا استبـان أنهـا  آنسـية
وصدق  ظنا بعدمـا كـان كذبـا
رفعت له بالكف نـارا تشبهـا
شآمية نكباء أو عـاصف صبـا
وقلت ارفعاها بالصعيد كفى بها
منـاد لســار ليلـة إن تأويـا
فلمـا أتانـي والسمـاء تبلـه
فلقيته: أهـلا وسهـلا ومرحبا
وقمت إلى البرك الهواجد فاتقت
بكوماء لم يذهب بها  الني  مذهبا
فرحبت أعلىالجنب منها بطعنة
دعت مستكن الجوف حتى تصببا
تسامى نبات الغلي في حجراتها
تسامي عتاق الخيل وردا وأشهبـا

مدح موقد النار:

وقد أشار بعض اللغويين إلى مسألة إيقاد النار بالمواد طيبة الرائحة، كالبطليوسي، الذي يرى "أن الشعراء إذا أرادوا مدح موقد النار وصفوه  بأنه يوقدها بالقطر والمندل والغار، ونحوها من الطيب "، كقول عدي بن زيد:
يا لبينى أوقدي النارا
إن من تهوين قد حارا
رب نار بت أرمقها
تقضم الهندي والغارا

ولعل في قول الآلوسي من أنهم أوقدوا النار بالنبات الطيب، "ليهتدي إليها العميان" جانبا من الصواب.
أما الحوفي فلا يرضى بتفسير الآلوسي، ويرى الأمر "أنه نوع من الترف، وإظهار المقدرة، والتباهي بالثراء، ورغبة في أن يشموا هم رائحته الطيبة".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال