الدعم الإيراني للحوثيين.. أسلحة متطورة كالصواريخ والمدفعية والآليات والرشاشات الثقيلة ودعم عسكري ولوجستي ومالي على مستوى التسليح والتخطيط والتدريب

إن صنعاء تجد أنه من مصلحتها في المقام الأول إبقاء المتمردين الحوثيين محصورين في المناطق الجبلية الوعرة في منطقة صعدة، ومنعهم من الاقتراب من ساحل البحر الأحمر الذي يبعد حوالي 100 كيلومتر عن مدينة صعدة، وكأن العقيدة القتالية للجيش اليمني في مواجهته الحالية مع الحوثيين تقول باختصار: ما داموا بعيدين عن الساحل فهم تحت السيطرة.
سعي الحوثيين إلى توسيع مسرح العمليات، وبعد أن كان القتال محصورًا في بقاع محددة في صعدة، بدأ ينال مواقع قريبة من هذا الساحل، وتبدو الحكومة اليمنية مقتنعة أن للحوثيين مصلحة كبرى في خلق موطئ قدم لإيران على ساحل البحر الأحمر لأنه سيحقق لهم اتصالاً مباشرًا بإيران التي لن تتأخر عن تقديم دعمٍ لوجستي لهم يساعدهم في مواجهاتهم مع الحكومة اليمنية.
الإدارة الأمريكية باتت الآن تقف وراء الحكومة اليمنية صراحة في حربها ضد الحوثيين بصرف النظر عن طبيعة الخلاف بينهما، إذ أمريكا في القتال الدائر في اليمن حلقة جديدة من مسلسل صراع النفوذ بينها وبين إيران، ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم تحذير الحكومة اليمنية لإيران من اتخاذ قرارات وصفتها بـ"الصعبة"، من شأنها أن تنعكس سلبًا على العلاقات بين صنعاء وطهران في حال استمرار وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية في تبنِّي ودعم مواقف الحوثيين في إشارة واضحة إلى إمكانية قطع العلاقات الدبلوماسية.
هذه الحرب السادسة فاجأت الجميع، فعلى الرغم من حجم القوة المستخدمة من قبل الحكومة والجيش اليمني (طائرات ومروحيات ودبابات) فقد أبدى الحوثيون صمودًا كبيرًا، وأظهروا قدرة عالية في القتال وتكتيكًا لم يكن معروفًا عندهم من قبل، كما استخدموا أسلحة متطورة في قتالهم كالصواريخ والمدفعية والآليات والرشاشات الثقيلة، مما أعطى انطباعًا بأنهم يملكون قوة ليست بالمستهانَة، كما وأنهم يتمتعون بدعم عسكري ولوجستي ومالي على مستوى التسليح والتخطيط والتدريب، وبالتالي فإن الموضوع بات يوحي بأن الحركة أوسع من عملية تمرد بسيطة كما كانت في السابق، وأن الأهداف غير المعلَنة قد تكون مختلفة كليًّا عن الأهداف المعلنة، وأن من قام بالتسليح والتدريب والتمويل يُخفي هدفًا مختلفًا كليًّا عن هدف الحوثيين، ومن هنا يمكن الحديث عن هذه الحرب كمقدمة لحرب كبرى قد تكون المنطقة مسرحها.
الحكومة اليمنية اتهمت الجمهورية الإيرانية صراحة وعلنًا بدعم الحوثيين، كما أعلنت أنها ضبطت كمية كبيرة من الذخيرة والأسلحة الإيرانية بحوزة الحوثيين، وأنها تملك أدلة دامغة على التورط الإيراني في هذه القضية اليمنية الداخلية. والإيرانيون لا يخفون دعمهم للحوثيين، ويظهر ذلك من خلال إعلامهم المساند لهذا التمرد، وإن كانوا يعتبرون هذا الموضوع شأنًا داخليًّا يمنيًّا على المستوى السياسي الرسمي الإعلامي.
والمتابع للتطورات الجارية يرى أن هناك مصلحة إيرانية واضحة وراء دعم الحوثيين والوقوف إلى جانبهم واستمالتهم. فإيران تتعرض لتهديدات متتالية بقصف منشآتها النووية لإفشال المشروع العسكري النووي، كما وأنها تتعرض إلى ضغوطات كثيرة داخلية وخارجية. فعلى مستوى الداخل هناك الأزمة التي تتهدد النظام في ولاية الفقيه. وعلى مستوى الخارج هناك الضغوطات الدولية، وهناك المُهَل المعطاة لها بشأن الملف النووي، ولذلك هي تحتاج إلى أذرع، والحوثيون منها، خاصة وأنهم يقطنون في المناطق اليمنية الشمالية الغربية المحاذية والقريبة من البحر الأحمر، ذاك البحر الذي يشكِّل منفذًا وحيدًا يصل البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي الذي تغسل مياهه الشواطئ الإيرانية، وهو ما يعني أن القوة الأمريكية أو الأوروبية أو الإسرائيلية تحتاج إلى المرور عبر هذا البحر للوصول إلى تلك الشواطئ، وعليه فإن تواجد حلفاء لإيران كأذرع عند المناطق المحاذية لشاطئ هذا البحر المنفذ يجعل التحركات الأمريكية الأوروبية الإسرائيلية باتجاه المحيط الهندي أو بالعكس في مرمى نظر وحتى نار حلفائهم، وعليه فإن مصلحة الإيرانيين تقضي بمساندة التمرد الحوثي كذراع متقدمة عند تلك البوابة.
إذا أدركنا ذلك، أدركنا لماذا فتح الحوثيون المعركة؟ ولماذا يصرّون عليها؟ لأنها تمثل تحرك أحد الأذرع لمواجهة الأخطار في مرحلة متقدمة، كما أدركنا لماذا تحركت الحكومة اليمنية بهذه الطريقة؟ لأنها حظيت بهذا الغطاء الدولي، وهي فرصة بالنسبة للحكومة اليمنية قد لا تتاح في أي وقت للتخلص من التمرد.
وبحسب ما يذكر كتاب "عصر الإمامة الزيدية في اليمن" لمحمد البتول الصادر عام 2007م، أنه خلال عدة سنوات تمكن الحوثي من تكوين تنظيم مسلح قادر على المواجهة العسكرية، واتخذ من حزب الله اللبناني مثالاً في الاستعداد العسكري، ونقل عنه شعار الموت لإسرائيل والموت لأمريكا، حيث أخذ شباب التنظيم ترديد هذا الشعار كواجب ديني عقب صلاة الجمعة في المساجد التي يسيطرون عليها ومنها جامع الإمام الهادي بصعدة، والجامع الكبير بصنعاء.
ويذكر الشيخ عبدالله المحدون، إن جزء من التعاليم التي تلقاها خلال خدمته تحت أمرة حسين الحوثي هي واجب قيام إمبراطورية فارسية بدل التي دمرها العرب تمهيداً لظهور الإمام المهدي. ففي جميع الخطب التي يلقيها الحوثي على مسامع أتباعه يستشهد بالإمام الخميني كونه آخر من اجتهد، ولا يذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا نادراً. إذ إنّهم في الأصل من فِرقة الجارودية وقد انتقل الحوثي من الزيدية الجارودية إلى الجعفرية الاثنى عشرية عام 1997م. كما قام بدر الدين الحوثي بإعلان وجوب قبض الخُمس وإعطائه له، ومعلومٌ أن هذه الشعيرة هي إحدى شعائر المذهب الشيعي الاثنى عشري.
وحين بدأت الحرب السادسة بين القوات الحكومية والمتمردين في صعدة أعلنت طهران استيائها من الوضع وقالت إن الدماء ليست حلا لمشكلة الحوثيين، وهو تدخل صريح في الشأن اليمني، لم تجرؤ مثلاً على إعلانه في قضية دارفور، ما يشير إلى أن الأمر يتعلق بأتباعها من الشيعة.
كما قامت الحوزة العلمية في النجف والحوزة العلمية في قم، بإصدار بيانين يتضمّنان الوقوف في صف حركة الحوثي والدفاع عنه، ويعترضون على أعمال الحكومة اليمنية التي تقوم بوقف هذا التمرد والتصدّي له، ويُطالبون بوجوب حرية حركة الشيعة الاثنى عشرية في اليمن، وهذا يدل على التعاون الوثيق بين الحوزة العلمية والحركة الحوثية.
الدعم الإيراني وصل عن طريق السفارة الإيرانية في صنعاء لحركة الحوثي وتنظيم الشباب المؤمن في إحدى التقارير إلى 42 مليون ريال يمني، مفرَّقةً بين دعم مباشر لتنظيم الحوثي، ودعم غير مباشر للمراكز التابعة للحوثي في صعدة.
نشرت صحيفة أخبار اليوم اليمنية أن هناك يمنيين في النجف يتدربون على أيدي القوات الأمريكية والشيعية عبر السفار الإيرانية لدراسة العقائد الاثنى عشرية والتدرب على نشر وتأهيل قيادات داعية إليه.
وحين قتل حسين بدر الدين الحوثي، اتخذت إيران قراراً بتغيير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة اليمن بطهران إلى اسم الحوثي، وفي الحرب الأخيرة هذه دعت وسائل إعلام إيرانية لتغيير اسم "شارع اليمن" في العاصمة الإيرانية طهران إلى شارع "شهداء صعدة" وذلك رداً على تغيير اسم "شارع إيران" في صنعاء إلى شارع "ندى أقا سلطان" وهي أشهر ضحايا الاحتجاجات التي انطلقت في الشوارع الإيرانية بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة، حيث أثارت صورتها وهي تفارق الحياة بعد إصابتها بطلق ناري، مشاعر تعاطف واسعة في مختلف أنحاء العالم.
إن المتابع لما مرت به اليمن من أحداث وفتن يجزم يقيناً بأن هناك قوى خفية هي التي تسيّر هذه الأحداث وتفل تلك الفتنة بغية الوصول إلى مطامع سياسية من خلال تفكيك النظام القائم وتشكيل حكومة شيعية رافضية على أنقاضه بعد تدخل أجنبي يسمح لما يسمى بالأقليات الشيعية في اليمن لأن تقيم دولة إمامية رافضية المعتقد إيرانية السياسة والتوجهات.
ولا بد من القول أن الحوثي ومن معه إذا كانوا أداة في تنفيذ هذا المخطط فلأنهم يظنون بإيران ظناً حسناً، وأنها تدعمهم لوجه الله، وهذا خطأ من أخطاء الحوثيين القاتلة! فشيعة إيران يكفرون الزيدية، والزيدية يكفرون الإمامية، وهذا الود لن يدوم، والدعم المالي الذي تقدمه إيران لن يكون لإقامة دولة زيدية إنما لإقامة دولة هي امتداد طبيعي لمخطط الهلال الشيعي، وبالتالي لا بد أن تكون إمامية، وقد قال بعض المبشرين الاثنى عشريين: "أعطني زيدياً صغيراً أصنع لك منه جعفرياً كبيراً"! فالنشاط الشيعي في أوساط الزيدية ليس نشاطا سياسيا داعما فقط بل هو نشاط تبشيري يهدف إلى تحويل أتباع المذهب الزيدي إلى إمامية اثنى عشرية.
وإذا كان هذا الأمر لا ينطبق على الحوثي الأب ولا على ولده المقتول ولا على من هم معهم، إلا أنه لو قدر لهذا التمرد النجاح لا قدر الله، فسيؤول الأمر إلى دولة إمامية لا محالة. فقد مثل تمرد الحوثي وفق النظرة الإيرانية حلقة في سلسلة من حرب عقدية تمولها إيران وترجوا أن تحصد ثمارها على المستوى البعيد.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال