يكاد النسابون يجمعون على أن كندة قبيلة قحطانية تنسب إلى كندة، وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث، الذي ينتهي نسبه إلى كهلان بن سبأ ورأى أخرون أنهم مهاجرون من البحرين والمشقر، ورأى فريق ثالث آن الكنديين عدنانيون، وأنهم كانوا يقيمون في دهرهم الأول في غمر كندة. أي في موطن العدنانيين.
وربما كان أكثر الاسباب وجاهة ان ملك حمير قد اقام حُجْراً زعيماً على عدة قبائل، كان قد أخضعها في وسط الجزيرة العربية، فقامت بذلك دولة يحمل زعيمها لقب "ملك" تفرض سلطانها على منطقة واسعة، للسيطرة على الطرق التجارية الشمالية، التي كانت ترتاده قوافل اليمن التجارية، حتى يأمنوا اعتداء قبائل البدو الشمالية عليها.
وبهذا فإن تولية حُجْر تكون سياسة يمنية حكيمة، فقد كانت أسرة حُجْر يمنية وكان هو من أسرة تولت الملك في بلادها الاولى، ثم ان هذه الاسرة قد استقرت في الشمال منذ فترة عرفت فيها اتجاه العصبيات، وفهمت العقلية الشمالية.
وهكذا يكون ملوك حمير قد حققوا من اقامة دولة كندة، ما حققه الروم من اقامة دولة الغساسنة، والفرس من اقامة دولة اللخميين، وتصبـح كندة لتبابعة اليمن.
لم تكن مملكة كندة التي بسطت سلطانها على مساحة واسعة من بلاد نجد مملكة على غرار مملكتي المناذرة والغساسنة، بل كانت أقرب ما تكون اتحادا قبليا، تشغل فيه قبيلة كندة مركز الصدارة، وتتولى فيه الحكم أسرة من أسرها، وهي محاولة جادة لجمع شمل القبائل العربية تحت زعامة واحدة مركزية، يتولاها سيد واحد.
وأشهر ملوكها في القرن الخامس حُجْر، الملقّب بآكل المرار، وقد استطاع أن يفرض سيادته على القبائل الشمالية في نجد ،وخلفه ابنه عمرو ،وولي الحكم من بعده ابنه الحارث، وفي عهده بلغت كندة ذروة مجدها، فقد خضعت له قبائل نجد.
وتقول الروايات: إن القبائل من نزار تفاسد أمرها، وغلب عليهـا السفهـاء، فلجأ أشرافها إلى الحارث بن عمرو، وشكوا إليه حالهم، ورجوه أن يملك عليهم أبناءه حقنا للدماء، ومخافة أن يفني بعضهم بعضا، فأجابهم الحارث إلى ذلك.
وقد أجمعت هذه الروايات -على الرغم مما يشوبها من الخلط في تحديد بعض القبائل التي ملك عليها الحارث أبناءه.
علما أن الحارث قد ملك ابنه حُجْرا على بني أسد من خزيمة، وكان حُجْر قد اشترط على بني أسد أن يدفعوا له الإتاوة في كلّ عام، ولكن بني أسد قد تمردوا على دفع الإتاوة، وثاروا على رسل الملك، الذين أرسلهم لجبايتها، وضربوهم ضربا مبرحا، وكان حُجْر يومذاك بتهامة، فلما سمع بهم، جمع لهم الجند من ربيعة وقيس وكنانة، ولم يستطع بنو أسد أن يقفوا في وجه هذا الحشد الكبير، الذي جاء به حُجْر، لا عن ضعف وقلة في العدد، كما قال عزة حسن في مقدمته لديوان بشر بن أبي خازم، وإنما لأن حُجْرا كانت له قوة عظمى لا يقدرون عليها.
فلقد كان أبوه ملكا على الحيرة من قبل فارس، وكان اخوته ملوكا على سائر القبائل النزارية.
وتمكن حُجْر من كسر شوكتهم، واقتاد رؤساءهم وضربهم بالعصا نكاية بهم، وأباح أموالهم، ونفاهم إلى تهامة وآلى على نفسه ألاّ يساكنوه في أرض قط، وحبس جماعة من أشرافهم، واستعطفه عبيد بن الأبرص، الذي كان نديما له بقصيدة جاء فيها:
يا عيـْنُ فابكـي مـا -- بَني أسـد فَهـُمْ أهل النّدامهْ
أهلَ القبابِ الحمر والـ -- ـنّعـمِ اُلمؤبَل والمُدامَهْ
وذوي الجياد الجُرْدِ -- والـ ـلأسل المثقفـة المقامه
حِـلاّ أبـيْت اللعـن حـِ -- ـلاً إنّ فيما قلتَ آمـَهْ
إلى أن يقول:
ومنعتَهـُمْ نجـدًا فقـد -- حلّوا على وجل تِهامَهْ
أمّا تركتَ تركت عفـ -- واً، أو قتلت فلا ملاِمَهْ
أنت المليـكُ عليهـمُ -- وهمْ العبيدُ إلى القيامهْ
وهذه ثورة بني أسد الأولى لم يكن وقتُها قد حان، فقد جاءت مبكرة، حين كانت أسرة المرار تبسط نفوذها، وسطوتها على سائر قبائل نزار، ويؤيدهم في ذلك ملك الفرس.
بيد أن الأمر في جزيرة العرب قد تغير، بعد أن خلع انو شروان- الذي آل إليه الحكم بعد أخيه قباد -الحارثَ بنَ عمرو عن ملك الحيرة، وولي مكانه المنذر بن ماء السماء، وكان في هذا كلّه بداية لزوال سلطة آل آكل المرار عن الحيرة، وظل ابن ماء السماء يطارد الحارث بن عمرو حتى قتل.
وبعد مصرع الحارث، ضعف أمر أبنائه، الذين ملّكهم على القبائل النزارية، ومن ثَمّ أصبحت الفرصة سانحة لبني أسد في إذكاء نار هذه الثورة، التي أدّت إلى مقتل حُجْر على يد بني أسد، وانتهاء ملكه عليهم.
وتقول الروايات أن امرأ القيس بن حُجْر، الشاعر المعروف، حاول أن يثأر لأبيه، وان يستعيد هذا الملك.
ولكن الظروف كلّها لم تكن لتعينة على ذلك، فقد وقفت بنو أسد وقفة صارمة في وجهه، وكان المنذر بن ماء السماء يعمل على تقليص نفوذ أسرة آكلّ المرار، فقامت فتنة يوم الكلاب الأول بين عميه: شرحبيل وسلمة.
حيث قتل الثاني الأول. وثارت بقية القبائل الأخرى على أعمامه كلّ هذا لم يكن ليعين امرأ القيس على النيل من بني أسد، وإرجاع ملك أبيه.
فاتجه إلى قيصر الروم، يطلب إعانته على الثأر لأبيه، وتشير الروايات إلى أن قيصر الروم قد استجاب إليه في بادئ الأمر، ولكن بني أسد تمكّنوا من ملاحقتة في بلاط القيصر وقد تم ذلك على يد الطماح بن قيس، والد الشاعر الجميح الأسدي، وتمكن من الإيقاع به.
وأيا ما كان الأمر، فقد مات امرؤ القيس وانقطع آخر أمل في استعادة (بني آكل المرار) لملكهم في كندة.
وهكذا انتهت أول محاولة في داخل بلاد العرب لتوطيد مجموعة من القبائل حول سلطة مركزية واحدة.
التسميات
ممالك عربية