تاريخ مملكة المناذرة.. زعماء قبيلة لخم من نسل ملوك التتابعة بناة قصري الخورنق والسدير. المنذر بن النعمان ابن ماء السماء. عمرو بن هند. قابوس بن المنذر

قامت مملكة المناذرة في بادية العراق، بتشجيع الفرس، لتكون درعاً تحميهم  من غارات البدو، وجنوداً تقف في صفوفهم في أثناء حربهم ضد الرومان والغساسنة.

وكانت هذه المملكة تتـألف من القبائل العربية التي هاجرت من اليمن في عهد مبكر، على أثر تصدع سد مآرب، وكان ذلك في القرن الثالث  الميلادي، واتخذت لها عاصمة على سيف صحراء العرب، عرفت "بالحيرة" ومعناها المخيم.

ويلاحظ أنّ تاريخ هذه المملكة يرتبط إلى حد كبير بتاريخ زعماء قبيلة "لخم" الذين يظهر أنهم من نسل ملوك التتابعة، فبنوا فيها القصور المشهورة على نسق قصور اليمن، مثل القصرين المشهورين "الخورنق والسدير".

وتاريخ ملوك هذه المملكة أوضح في مجموعه من تاريخ الغساسنة، ولعل ذلك يرجع إلى أن ملوك الفرس دونوا تاريخهم، فأخذه عنهم العرب، وان المناذرة أنفسهم كانوا يدونون أخبارهم، ويودعونها في البيع والاديرة، التي كانت منتشرة في منطقتهم.

وأشهر ملوكهم المنذر بن النعمان الملقب بابن ماء السماء (505-554) وهو الذي سار في مئة الف من أتباعه، ليحارب البيزنطيين وحلفاءهم الغساسنة، حيث حدثت المعركة المشهورة عند العرب بيوم حليمة.

ولعمرو بن هند شهرة واسعة، وقد أصبحت الحيرة في عهده مركزاً مهماً للآداب، وقد وفد عليه عدد من الشعراء من مختلف أرجاء الجزيرة العربية ينشدونه الشعر، وينالون جوائزه، منهم طرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة.

ويقال: "ان عمراً هذا هو الذي توسط بين بكر وتغلب، وأصلح بينهما بعد حرب البسوس وقد كان الرجل ظالماً شديد الزهو، والكبرياء، وقصته مع عمرو بن كلّثوم معروفة، فقد انتقم منه، وانتصر لكرامة المرأة العربية في شخص أمه.

 ولُقّب بالمُحَرّق، لأنه أقسم ليحرقنّ مئة من بني تميم، وبرّ بيمينه، في يوم أوراة الثاني، وقصته مع الحمراء بنت ضمرة النهشلي، التي أتم بها العدد مئة مشهورة.

وجاء بعد عمرو بن هند أخوه "قابوس بن المنذر، ثم المنذر الرابع، ولم يحكما طويلاً، ثم آل الحكم إلى النعمان الثالث، ابن المنذر الرابع ، المكنى " بأبي قابوس" (508-602) وهو أخر ملوك الحيرة اللخميين، وأكثرهم شهرة في كتب الأدب.

ووفد على بلاطه كثير من الشعراء مثل: أوس بن حجر، والمنخل اليشكري، والمثقب العبدي، وحُجْر بن خالد الذي مدحه قائلا:
سمعتُ بفعل الفاعلين  فلم أجد كمثل ابي  قابوس حزماً ونائلا

وللنابغة الذبياني فيه مدح كثير، إلاّ أن جفاء بينهما قد حصل لوفود النابغة على الغساسنة، واعتذر اليه، مفتتحاً بذلك باباً جديداً في الشعر، وقال في إحدى قصائده:
نُبئتُ أن أبا قابوس أوعدني -- ولا قرار على زأر من الأسد

وتعرض له بعض الشعراء بالهجاء، منهم يزيد بن الحذاق الشني، وعبد  قيس بن خفاف البرجمي.
 وساءت العلاقة بينه وبين كسرى، لأسباب اختلف المؤرخون حولها، وفصلوا فيها إلى حد كبير.

فمنهم من يدعي أنها بسبب سجن أبي قابوس لعدي بن زيد العبادي، الذي كان سبب وصوله إلى الملك- وكان ملوك الحيرة قد اصبحوا من الضعف بحيث أصبح ملوك فارس يضعون على عرش الحيرة من شاؤوا، وكان عديّ يعمل مترجماً في ديوان كسرى، فساعد أبا قابوس في الوصول إلى الحكم -وقتله إياه، وقد استغل ذلك خصوم النعمان، وأوغروا صدر كسرى عليه فقتله، وبذلك انتهى حكم المناذرة في الحيرة.
وعين الفرس مكانهم رجلاً من طيء اسمه اياس بن قبيصة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال