الواقع الحالي لمناهج الجغرافيا وطرق تدريسها فى التعليم العام.. الارتباط العضوي بين المناهج والكتب من جهة والامتحانات بصفتها التقليدية من جهة أخرى

كان تدريس الجغرافيا فى معظم الدول العربية وليس مصر وحدها خاضعاً لتأثير الأوضاع السياسية التى تمثلت فى الاستعمار والتبعية للدول الاستعمارية، وما فرضته الإدارة الاستعمارية على التعليم من مناهج تعكس الخضوع والتبعية، وتعمل على تفريغ وجدان المواطن من عروبته وقيمه الأصيلة.

وأخذت الأوضاع تتغير بعد انتهاء الاستعمار والعمل على تصفية آثاره التى خلفها فى النظم التعليمية فى معظم الدول العربية.
ولقد مرت هذه التغيرات بثلاث مراحل:

1- فى الخمسينات كان الاتجاه السائد هو تنقية المناهج مما شابها من موضوعات دسها الاستعمار لتحقيق أهدافه الثقافية.

2- فى الستينات اتجهت الدول العربية من خلال فكرة الوحدة العربية إلى تغيير مناهج المواد الاجتماعية بصفة عامة منها الجغرافيا لتدعيم هذه الفكرة القومية الشاملة.

3- فى السبعينات تطورت المناهج بناء على توصيات مؤتمر طرابلس الذى كان هدفه تطوير المناهج وتوحيدها بما يدعم فكرة القومية العربية والتكامل بين الدول العربية كوحدة إقليمية بينها روابط سياسية واقتصادية واجتماعية قوية، وبما يحقق الإيمان بالتكامل بينها، وينمى فكرة التوازن بين الكتل المتصارعة فى العالم، ويبرز مكانة الوطن العربي فى المحيط العالمي.

أما عن المناهج الحالية التى تبلورت خلال فترة الثمانينات فقد أدخلت عليها بعض التعديلات المناسبة التى تساير بصفة عامة ما تم التوصل إليه من توصيات مؤتمر طرابلس من أسس وأهداف لتوحيد المناهج، إلى جانب مراعاة الجوانب التربوية المتعلقة بتدريس الجغرافيا ممثلة فى التدرج من البيئة المحلية إلى الوطن الأم إلى دراسة الوطن العربي وأجزائه وتقسيماته ثم إلى دراسة شاملة للعالم ككل تتناول المنظور العالمي وبعض الدول ذات الصلة بالعالم العربي تختار من القارات المختلفة.

ولئن كانت هذه التعديلات قد انعكست بصورة شكلية فى المناهج وفى المقررات ومحتواها، إلا أنها لم تتخلص من ثلاثة قيود:

1- قيود المنهج التى تمنع حرية التصرف نحو التعديل أو حتى التحرك بحرية فى إطارها من جانب المعلمين.

2- الارتباط العضوي بين المناهج والكتب من جهة والامتحانات بصفتها التقليدية من جهة أخرى باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتقويم، مما يعوق الإبداع فى تطبيق الأهداف المعرفية والمهارية والوجدانية لتدريس الجغرافيا.

3- عدم مراعاة التغيرات التى طرأت على مفاهيم الجغرافيا كنظام معرفي وارتباطها بجوانب الحياة المختلفة ومتغيرات العصر فى البيئة المدرسية وخواص التلاميذ.

ولئن كانت الأهداف التى حددتها لجان وضع المناهج أهدافاً شاملة ترقى من الناحية اللفظية إلى درجة المثالية، إلا أن المخططين إذا انتقلوا إلى مرحلة وضع المضمون والمحتوى يرتدون إلى كل ما هو تقليدي قديم.

فلم تخرج كل المقررات والكتب عن إطار الوصف المعتاد للمعالم والظواهر، وتحديد صفات الأقاليم المميزة لها كحقائق مجردة دون تهيئة فرص تنمية الأفكار وبث المفاهيم والمضامين الجديدة، أو تهيئة الفرصة للتلاميذ للمشاركة فى جمع البيانات وتحليلها وتوفير إمكانيات قيامهم بعمل ذاتي فى استقاء المعلومات واستخلاص النتائج من تحليل هذه المعلومات مما يربى التلاميذ على مهارات التعلم الذاتي والتصرف العقلي فيما يقع تحت أنظارهم وأسماعهم من معارف ومعلومات، وربطها بالظواهر المختلفة.

فما زالت الدراسة، التى هى تطبيق لمحتوى المنهج ، بعيدة كل البعد عن إتاحة فرص مشاركة التلاميذ الفعلية فى جمع المعلومات واستقائها من مصادرها، ومازال التلقين هو الطريقة التى يستخدمها المعلمون فى التدريس، والحفظ هو الوسيلة الوحيدة للتحصيل لدى التلاميذ من أجل أداء الامتحان وحسب، دون أن تكون هناك طرق تساعد على اكتساب التلاميذ للمعارف والمهارات والقيم التى تثبت فى أذهانهم وتستمر معهم فى حياتهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال