تنظيم البحوث المسبقة وتكوين الملفات.. ربط التكاليف المطلوب إنجازها من قبل التلاميذ خارج القسم بحاجاتهم الحيوية والحقيقية

هذا النوع من النشاط هو الأكثر استخداما في مادة العلوم الطبيعية والمواد الاجتماعية والأدبية بل هو يكاد يكون مما تختــص به هذه المواد التي كثيرا ما تحتاج في تدريسهــا إلى إجراء تحقيقات وبحوث ميدانية، وإلى معاينة الظواهر في إطارها الطبيعي أو في سياقها العملي والموضوعي.
هذا ويتطلب تنظيم هذا النوع من عمل التلاميذ خارج القسم وحسن استثماره مراعاة الإجراءات والتراتيب التالية:

1- تحديد الدروس التي تحتاج فعلا إلى تكوين ملفات أو إلى تكليف التلاميذ ببحوث ميدانية وإنجاز أعمال دراسية خارج القسم، فما كل دروس العلوم تحتاج إلى تكويـن هذه الملفــات ولا إلى إجراء هذه البحوث الميدانيـة، ولا كل دروس الجغرافيا الطبيعية أو الاقتصادية تحتاج إلى ذلك ولا كل دروس المواد الاجتماعية تحتاج إلى معاينات و تحقيقات ميدانية.

2- تحديد المضامين المعرفية التي يطالب التلاميذ بتحصيلها خارج القسم حتى تنصرف جهودهم إلى جمع ملاحظات وتوفير معطيات أو تحديد مواقف وانطباعات تكون بمثابة المادة الأولية للدرس، ولا يجوز أن تكون بديلا عنه.

ومن ثم فلا يجوز في هذه البحوث الميدانية والتكاليف المسبقة مطالبة التلاميذ بتقرير نتائج معرفية أو إصدار أحكام علمية أو قيمية، وذلك ما يحتم استبعاد كل الأسئلة التقريرية ويوجب الاكتفاء بالملاحظة والمعاينة لإحصاء المعطيات أو وصف الظاهرة كما هي في إطار واقعهــا الموضوعي وإبداء الرأي باعتباره انطباعا ذاتيا وموقفا شخصيا قابلا للتعديل والرجوع عنه وليس حقيقة معرفية أو قيمية مسلمة، أما الاستنتاجات وتقرير الحقائق فلا يجوز بحال أن تطلب خارج القسم.

من أمثلة ذلك:
أ
- إذا أراد أستاذ التربية الإسلامية تكليف تلاميذه ببحث حول الطهارة و الوضوء أو حول الصلاة أو صلاة الجمعة فإن الأسئلة الرئيسية والمحورية ينبغي أن تنصب على معاينة الممارسة وإحصاء ما تقوم عليه من أقوال و أفعال، أو وصف الظاهــرة الدينية ولا يجــــوز أن يكون بين الأسئلـة ما يطالـب التلاميذ بالتمييز بين ما هو فرض و ما هو سنة وما هـو مستحب من تلك الأفعال والأقــوال لأن ذلك من مهمــة القســم ولا يمكن دعــوة التلاميـــذ إلى تقريره قبل الدرس فتصبح المعاينة أو البحث الميداني بديلا عن الدرس.

وفي المقابل فإنه لا يمكن تكليف التلاميذ بمثل هذه البحوث الميدانية المسبقة في درس الحج أو الزكاة، ولا في دروس العقيــدة لتعذر المعاينة الميدانيـة الحية، الأمر الذي يحمل التلاميـذ على الاكتفاء بمعارف نقلية يستخرجونها من الكتب بغير وعي أو يأخذونهــا
من أشخاص قد يمتلكون المعلومات المعرفية ولكنهم لا يملكــون المنهجية اللازمة لتنظيمها بطريقة تيسر على التلاميذ فهمها واستيعابها.

ب- كذلك إذا كلف أستاذ الجغرافيا أو أستاذ العلوم الطبيعية تلاميذه ببحث حول أنواع التضاريس بالجهة أو حول النباتات الطبيعية فإن الأسئلــة ينبغي أن تنصب بالأســاس على تعرف أنواع التضاريس أو أنواع النباتات الموجودة وصفا وإحصاء واستجلابا لعينات حية من النباتات و عينات مصورة للتضاريس.

وأما الحقائق العلمية المتعلقــة باكتشاف العوامل الطبيعية و المناخية وتعرف العلل والأسباب فإنها يجب أن تبقى من اختصاص القسم ويكون من الخطأ علميا وبيداغوجيا مطالبة التلاميذ بتقريرها خارج القسم.

3- توزيع الأسئلة إلى وحدات صغيرة تسند كل مجموعة منها إلى فريق من التلاميذ مع الحرص على مراعاة أحوال هؤلاء التلاميذ وأوضاعهم الأسرية والاجتماعية حتى لا يطالبهم بما يمتنع تحقيقه، فلا يجمع في الفوج الواحد بين بنات وأبناء إذا كانوا في وسط تحــدد فيه العائلات مجالات تحرك البنات، ولا يكلف مجموعة بنات مثلا بخروج لا تسمح به ظروفهن وأوساطهن الاجتماعية أو بمعاينات تتم في أوساط لا يتم فيها التعاون معهن بشكــل إيجابي مريح ولا يمتنع في هذا السياق تكليف بعض الأفــراد من البنات والبنين بالإجابة عن أسئلة محـددة تتوفـر لهم ظروف الإجابـة عنها كانتماء التلميـذ أو التلميـذة إلى أسـرة فيها صاحب تخصص في الموضوع قد يوفــر له أو لها ما لا يمكن أن يتوفــر لغيره من المعطيــات لكن على شرط أن يبقى ذلك نوعا من الاستثناء وأن يظل العمل الجماعي هو الأصل لما يضمنه من يسر المراقبة و يسر الاستثمار، في حين تتعذر مع العمــل الفردي القائم على طريقــة كل الأسئلة لكل التلاميذ مراقبة الإنجــاز و يمتنع استثمار كل المساهمــات أو دراسة كــل الملفات، علما بأن هذه الصعوبة من شأنها تعويــد عدد غير قليل من تلاميذنـا عدم الجدية في إنجاز ما كلفوا به أو إهمال هذه التكاليف وعدم إنجازها أصلا مما يمثل ظاهرة متفشيـة بين تلاميذنا اليوم على نطاق واسع، ولا سبيل لعلاجها إلا بإحكام تنظيم عمل التلميذ خارج القسم و إحكام استثمار كل المساهمات وإلا كان عدم التكليف أفضل.

4- ربط التكاليف المطلوب إنجازها من قبل التلاميذ خارج القسم بحاجاتهم الحيوية والحقيقية تجنبا لإغراقهم في معالجات أكاديمية لا تستهويهم، ولا يجدون في ممارستها ما يستجيب لميولهم الفطرية و مشاغلهم الحيوية.

5- ضمان واقعية التكاليف بأن لا تكون تكاليف خيالية مبالغة في الثقة بإمكانيــات التلاميذ وقدرتهم على الإتيان بالجديد، فيكلفهم الأستاذ بما لا يستطيعون إنجازه ويطالبهم بما يعسر عليهم تحصيله وهو ما يحدث كثيرا للمدرسين الحديثي العهد بالمهنة، حيث يطمح الأستاذ إلى إثراء مكتسباته من خلال ما يأتيه به تلاميذه، فيكون في مثل هذا الهدف خطر كبير على سلامة الدرس، وعلى تكوين الأستاذ نفسه، وعلى قدرة التلاميذ على إنجاز ما كلفوا به من عمل خارج القسم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال