جهود ياكوبسون في وظائف اللغة الست في مجال الشعرية

في مجال (الشعرية) عرض شولز جهود (ياكوبسون) في (وظائف اللغة) الست.
كما عرض تحليل (شتراوس) و(ياكوبسون) لقصيدة (القطط) لبودلير، وتحليل (ريفاتير) للقصيدة نفسها، حيث استفاد منهما، وأضاف جديده قائلاً إنهما قدّما عرضاً مقنعاً للتسلسل الفائق للمتطابقات التي تشكل أجزاء الكلام في القصيدة، وبحثاً في القواعد التي تحدد الخطة التقفوية والنماذج الإعرابية وعلاقات التوازن والاختلاف.

ويستند التواصل اللساني حسب رومان جاكبسون (Roman Jackobson) إلى ستة عناصر أساسية، وهي: المرسل، والمرسل إليه، والرسالة، والقناة، والمرجع، واللغة.

وللتوضيح أكثر، نقول: يرسل المرسل رسالة إلى المرسل إليه، حيث تتضمن هذه الرسالة موضوعا أو مرجعا معينا، وتكتب هذه الرسالة بلغة يفهمها كل من المرسل والمتلقي.

ولكل رسالة قناة حافظة، كالظرف بالنسبة للرسالة الورقية، والأسلاك الموصلة بالنسبة للهاتف والكهرباء، والأنابيب بالنسبة للماء، واللغة بالنسبة لمعاني النص الإبداعي...

ويعني هذا أن اللغة ذات بعد لساني وظيفي، وأن لها ستة عناصر، وست وظائف: المرسل ووظيفته انفعالية، والمرسل إليه ووظيفته تأثيرية، والرسالة ووظيفتها جمالية، والمرجع ووظيفته مرجعية، والقناة ووظيفتها حفاظية، واللغة ووظيفتها وصفية وتفسيرية.

ومن ثم، فإن الذي وضع هذا النموذج اللساني الوظيفي التواصلي هو الباحث الروسي ذي الجنسية الأمريكية رومان جاكبسون، وقد أثبته في كتابه:” اللسانيات والشعرية” سنة 1963م، حيث انطلق من مسلمة جوهرية، وهي أن التواصل هو الوظيفة الأساسية للغة، وارتأى أن للغة ستة عناصر أساسية، ولكل عنصر وظيفة ما:

عناصر التواصل ووظائف اللغة:
1- المرسل الرسالة انفعالية.
2- الرسالة الرسالة شعرية.
3- المرسل إليه الرسالة تأثيرية.
4- القناة الرسالة حفاظية.
5- المرجع الرسالة مرجعية.
6- اللغة الرسالة وصفية.

وقد تأثر جاكبسون في هذه الخطاطة التواصلية بأعمال فرديناند دوسوسيرFerdinand. De Saussure، والفيلسوف المنطقي اللغوي جون أوسطين John L. Austin.

وعليه، فكثير من النصوص والخطابات والصور والمكالمات الهاتفية عبارة عن رسائل يرسلها المرسل إلى مرسل إليه، حيث يحول المتكلم رسالته إلى نسيج من الانفعالات والمشاعر والأحاسيس الذاتية، ويستخدم في ذلك ضمير المتكلم.
ومن ثم، يتخذ المرسل بعدا ذاتيا قوامه التعبيرية الانفعالية.

بمعنى أن الوظيفة الانفعالية التعبيرية هي التي تحدد العلائق الموجودة بين المرسل و الرسالة، وتحمل هذه الوظيفة في طياتها انفعالات ذاتية، وتتضمن قيما و مواقف عاطفية و مشاعر وإحساسات، يسقطها المتكلم على موضوع الرسالة المرجعي.

أما المرسل إليه، فهو المخاطب الذي توجه إليه رسائل المتكلم بضمير المخاطب، بغية إقناعه أو التأثير عليه، أو إثارة انتباهه سلبا أو إيجابا.

ومن هنا، فإن الوظيفة التأثيرية هي التي تقوم على تحديد العلاقات الموجودة بين المرسل والمتلقي، حيث يتم تحريض المتلقي، وإثارة انتباهه، وإيقاظه عبر الترغيب و الترهيب، وهذه الوظيفة ذاتية بامتياز، مادمت قائمة على الإقناع والتأثير.

إذاً، يتحول الخطاب اللفظي أو غير اللفظي إلى رسالة، وهذه الرسالة يتبادلها المرسل و المرسل إليه، فيساهمان في تحقيق التواصل المعرفي والجمالي، وهذه الرسالة مسننة بشفرة لغوية، يفككها المستقبل، ويؤولها بلغته الواصفة.

وتتجسد هذه الرسالة ذات الوظيفة الشاعرية أو الجمالية عن طريق إسقاط المحور الاستبدالي على المحور التأليفي، أو إسقاط محور الدلالة والمعجم على محور التركيب والنحو انزياحا أو معيارا.

ويعني هذا أن الوظيفة الجمالية أو الشعرية هي التي تحدد العلائق الموجودة بين الرسالة و ذاتها، وتتحقق هذه الوظيفة أثناء إسقاط المحور الاختياري على المحور التركيبي، وكذلك عندما يتحقق الانتهاك و الانزياح المقصود بشكل من الأشكال.

كما تهدف الرسالة عبر وسيط القناة إلى الحفاظ على التكلم، وعدم انقطاعه: (آلو... آلو... هل تسمعني جيدا؟...).

أي: تهدف وظيفة القناة إلى تأكيد التواصل، واستمرارية الإبلاغ، وتثبيته أو إيقافه، والحفاظ على نبرة الحديث والكلام المتبادل بين الطرفين.

زد على ذلك، فللغة وظيفة مرجعية، ترتكز على موضوع الرسالة باعتباره مرجعا وواقعا أساسيا، تعبر عنه تلك الرسالة.

وهذه الوظيفة في الحقيقة موضوعية، لا وجود للذاتية فيها، نظرا لوجود الملاحظة الواقعية، والنقل الصحيح، والانعكاس المباشر...

وثمة وظيفة أخرى مرتبطة باللغة، وتسمى بالوظيفة الوصفية أو الوظيفة الميتالغوية القائمة على الشرح والوصف والتفسير والتأويل، وتهدف هذه الوظيفة إلى تفكيك الشفرة اللغوية، بعد تسنينها من قبل المرسل.

والهدف من السنن هو وصف الرسالة لغويا، وتأويلها وشرحها وفهمها، مع الاستعانة بالمعجم أو القواعد اللغوية والنحوية المشتركة بين المتكلم والمرسل إليه.

ومن باب التنبيه، نحتكم، هنا، إلى القيمة المهيمنة (La valeur dominante) كما حددها رومان جاكبسون،لأن نصا ما قد تغلب عليه وظيفة معينة دون أخرى، فكل الوظائف التي حددناها سالفا متمازجة، إذ قد نعاينها مختلطة بنسب متفاوتة في رسالة واحدة، حيث تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف الأخرى حسب نمط الاتصال.
ومن هنا، تهيمن الوظيفة الجمالية الشعرية على الشعر الغنائي.

في حين، تهيمن الوظيفة التأثيرية على الخطبة، وتهيمن الوظيفة الميتالغوية على النقد الأدبي، وتغلب الوظيفة المرجعية على النصوص التاريخية، وتهيمن الوظيفة الانفعالية على النصوص الشعرية الرومانسية، وتغلب الوظيفة الحفاظية على المكالمات الهاتفية.
نظريات وظائف اللغة - جميل حمداوي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال