الحجاج الخاطئ.. المقايسة الواهمة. عيوب أثناء تأسيس المحاججة كالمصادرة على المطلوب ،أو الأخطاء الناجمة عن تعدد الأسئلة

 يبنى الحجاج الخاطئ على المغالطة في تقديم الحجة، ويعبر عنه باللغة الفرنسية بمصطلح (paralogisme) المتكون من جزئين هما para ونعني به خاطئ و logisme بمعنى الحجة، وربما أضاف بعضهم صفة النية الحسنة لهذا النوع؛ ليتميز في التفكير الفلسفي عن مصطلح (sophisme (1.

إن الحجاج الخاطئ يقدم على المقايسة الواهمة، كما تسبب في حدوثه عيوب بنويه أثناء تأسيس المحاججة كالمصادرة على المطلوب، أو الأخطاء الناجمة عن تعدد الأسئلة، ففي كثير من الأحيان يصدر الخطاب عن تمويه في صورة مقدمات وهمية كاذبة، إما شبيهة بالحقيقة لكنها غير ذلك، أو شبيهة بالمشهور دون أن تكون كذلك أيضا، مثل: كل ميت يجب دفنه / الحجر ميت / النتيجة الحجر يجب دفنه (2).

وربما أمكننا التمثيل للمغالطة الحجاجية بقولنا: إن إسرائيل دولة نووية وقوة عسكرية فهي إذن على حق، إذ يشمل هذا النوع من المغالطة الحجاج بالسلطة، ومن أنواع الحجاج الخاطئ أيضا المغالطة المنطقية؛ ونزعم التمثيل لها بمناظرة الشاعر العباسي "أبي العتاهية" لثمامة بن الأشرس (3)، والمغالطة العلمية التي تشخص في تناقض أقوال المتكلم وأفعاله، وربما مثلنا لها في النص القرآني بقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) (البقرة/44).

وأما الحجاج المبني على التناقض الإثباتي فتبينه الآية من سورة مريم: (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) (مريم /19) فقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها لم تنذر في الحال بل صبرت حتى أتاها القوم فذكرت لهم كونها نذرت، فيكون هذا منها تناقضا فقد تكلمت من حيث نذرت عدم الكلام.

بينما ذهب آخرون إلى إمساكها واكتفائها بالإيماء وبالرأس، ومن أدوات الحجاج اعتماد التهديد والترهيب كأسلوب للإقناع الخطابي في النصوص الدينية والسياسية.

ويمكن أن نجد لهذا النوع من الإقناع الذي ينحو منحى استسلاميا أمثلة متعددة في الخطابة العربية كخطبة زياد بن أبيه لأهل البصرة، وخطبة الحجاج لأهل العراق، وخطبة زيد بن المقنع العذري الذي سعى في ضمان ولاية العهد إلى يزيد بن معاوية، فخطب في حضرة معاوية (ض) قائلا: هذا أمر أمير المؤمنين وأشار إلى معاوية، فإن هلك.. وأشار إلى  ولده يزيد فان أبيتم فهذا.. وأشار إلى سيفه (4).

هذا ويمكن الحديث على أنواع أخرى للحجج منها (5):
1- حجة التبرير l'argument de gaspillage، وأداتها "بما أن"
2- حجة الاتجاه direction، وغرضها التحذير من انتشار شيء ما.

3- الحجة التواجدية، تبنى على علاقة الشخص بعمله، ويمكن أن نمثل لها بقوله (ص):
"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" إذ يكن أن نقول بأن المتعلم كشخص في جوهره ليس فضوليا، وعمل ترك ما لا يعنيه من تجليات حسن الإسلام.

4- الججة الرمزية:
للرمز قوة تأثيرية في الذين يقرون بوجود علاقة بين الرامز والمرموز إليه كدلالة العلم في نبسته إلى وطن معين، والهلال بالنسبة إلى حضارة الإسلام، والصليب بالنسبة إلى المسيحية، والميزان إلى العدالة.

5- المثل:
إنّ الغاية من اعتماده حجاجيا هو التأسيس للقاعدة، والبرهنة على صحتها.

6- الاستشهاد:
غايته توضيح القاعدة ،وتكثيف حضور الأفكار في الذهن، وربما كان الاستشهاد أداة لتحويل القاعدة من طبيعة مجردة إلى أخرى محسوسة، ولعل القرآن الكريم فيما يقدم لنا من أمثلة حجاجية أهم مصدر لهذه الأشكال الحجاجية، على أن العناية بالاستشهاد القائم على التمثيل مقيد بجملة من القيود لعل أهمها؛ عدم إطنابه، ومن الحجج المعنمدة أيضا المعطيات العددية الناتجة عن الإحصاء (1).

(1)- محمد النويري، الأساليب المغلطية مدخلا في نقد الحجاج ، ص406.
(2)- حسان الباهي، الحجاج المغالطي، مجلة فكر ونقد، ص وانظر اللغة والمنطق، بحث في المفارقات، المركز الثقافي العربي، دار الأمان، الدار البيضاء، 2000.
(3)- الأصفهاني، الأغاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992 ،6/5.
(4)- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1965، 3/508.
(5)- Perelman et Tytica ,traite de l argumentation ,p 501-527.
(6)- حميد اعبيدة، الحجاج في الفلسفة، مجلة فكر ونقد.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال