دعم رشيد بن مالك شغله النقدي بتعريب كتابين عن السيميائية أولهما «السيميائية أصولها وقواعدها» (2002) وثانيهما «السيميائية مدرسة باريس» (2003).
وضمّ الكتاب الأول مقدمة مطولة لعز الدين المناصرة عن «السيميائيات والأدب: قراءة مونتاجية»، وبحثاً عن «السيميائية الأدبية» لميشيل أريفيه، وآخر عن «السيميائية: نظرية لتحليل الخطاب» لجان كلود جيرو ولوي بانييه، وفيه تحليل المستوى السردي، المتألف من أطوار الرسم السردي (التحريك، الكفاءة، الأداء، التقييم) والبعد الجدالي والبعد المعارفي ـ التداولي والتصديق والاستعمال المناسب للسردي من خلال «التحليل، لأننا نريد تفكيك الخطاب بهدف البحث عن العلاقات التي تقيمها الملفوظات فيما بينها والتوقع، لأننا نعرف بواسطة النموذج ما هو مفترض أو متضمن كلما كان الملفوظ معروفاً ومحددا».
وعرّف الكتاب الثاني أيضاً بالإنجازات السيميائية التي حققتها مدرسة باريس، وقام بها جان كلود كوكي، وبالسيرة الذاتية والعلمية لغريماس بقلم مؤلف الكتاب نفسه، ونلاحظ أن المترجم، على الرغم من اشتغاله الواسع والعميق حول الاصطلاحية، جاوز أمور المصطلح، وقارب الترجمة الحرفية التي يعسر عليها التواصل مع المصطلح النقدي العربي دون الاشتغال الاصطلاحي اللغوي والمعرفي والنقدي، كما في مثل هذا الشاهد:
كنا قد رأينا أن مثل هذه وضعية لا تعوزها القوة من الناحية المنطقية، غير أن الراوي، على صعيد الخطاب، يعتبرها سريعة الانقصاف بالنظر إلى الوضعيات الأربع التي سبق وإن نظرنا فيها.
ويبقى أمامه إعادة خلق الشروط التي تضمن هيمنته وبعبارة أخرى، إقامة المسافة الجهاتية بينه وبين المروي له.
يكفيه أن يتقدم كفاعل محتل لوضع مضاعف؛ فهو يستمر في الاضطلاع بالدور العاملي للمعرفة، غير أنه يبدو مقلّداً لجهة جديدة تمكنه من الاتصال بعالم دلالي آخر تحكمه قوانين أخرى (إن تغير المنطق الذي أشار إليه ر. بارث يتم تمثيله المجازي من خلال سياق الانتقال من عالم إلى آخر)؛ وتقترح أن يكون الاعتقاد Croire أساس تمييز هذه الجهة الأخرى.
في هذا الموقع بالذات ينوب «الاعتقاد الأكيد» للفاعل الشعري عن «المعرفة الصادقة» للفاعل الديكارتي.
لقد ارتبط المصطلح السردي بالتداولية وتعالقاتها مع العلامية، وثمة تركيز أيضاً على مكانة الفعلية والفواعل في البنى الخطابية.
ولا يخفى أيضاً أن المصطلح السردي بتفريعاته مثل الراوي أو فاعل المعرفة أو فاعل الاعتقاد لا تتنافى مع الموروث السردي العربي أيضاً، بمعنى أن التعريب في المصطلح أرقى من مجرد الترجمة الحرفية.
وقد سعى رشيد بن مالك إلى اجتهاده في الترجمة أثناء وضعه لقاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص، وصاغ معرفته للمصطلحات ضمن حدود الترجمة عن العلاميين الفرنسيين أمثال جيرار جينيت وأميل بنفنست وجريماس وغيرهم، ونتوقف عند صياغته لمصطلح «سردية Narrativity» الذي لا يخرج عن الترجمة والتعريب، فهو يطلق «على تلك الخاصية التي تخصّ نموذجاً من الخطابات، ومن خلالها نميز بين الخطابات السردية والخطابات غير السردية... ويحتوي المروي من الخطاب عموما على أحداث حكاية، أفعال بطولية أو غير بطولية.
كانت الحكايات في وصفها للأفعال المطردة ـ حكايات فلكلورية، أسطورية، أدبية ـ مصدر التحليل السردي» (وفق بروب، دوميزيل، ليفي شتراوس)، وهذا كله جهد في التعريب والترجمة، وليس التأليف واجتهاداته الخاصة.
ومن الملاحظ أن هذا التعريف للمصطلح قائم في جوهره على التراث والتراث الشعبي على وجه الخصوص، على الرغم من التزام واضعه بالترجمة، وهو مصطلح، على سبيل المثال، يتواصل مع السرد العربي دون تكلف.
وحاول رشيد بن مالك الخوض في تعريب المصطلح السردي في كتابه «البنية السردية في النظرية اللسانية»، وشرح مفاهيم هذه البنية مثل الحالة والتحويل وموضوع القيمة والبرنامج السردي وضبط العلاقة التماثلية والموجهة، واعتنى كثيراً بالأسس النظرية للبرنامج السردي مثل السرد والتحريك والتقويم والبنية.. الخ، واستند في محاولته إلى شغل المنظّرين الفرنسيين إياهم، واستغرق في الشكلانية مثلهم دون الأخذ بمستويات اللغة العربية وبخصائصها الثقافية.
وعندما ننظر في تحليله لوضعيتين سرديتين متمايزتين، نجد أنهما مثبوتتان في السرد بعامة، وفي السرد العربي بخاصة، وهما عن نشاط المرسل على الصعيد المعارفي، إذ «يظهر في الوضعية الأولى من خلال التعاقدية التي تحكم المرسل/ المحرك للفعل والفاعل، ويختفي المرسل بمجرد إتمام العقد وبداية الفاعل في تحيين مشروعه، إذ يظهر المرسل، حسب شرحه، في الوضعية الثانية من جديد في نهاية الحكاية أثناء تقويم الأداءات المحققة ظهوراً يعكس انتقاله من موقع المرسل/ المحرك إلى موقع المرسل/ المقوم.
وفي هذه الوضعية بالذات، يؤول المرسل/ المقوم، انطلاقاً من نظام القيام المنصهر في البنية السردية، الحالات المحولة، ويبثّ في صدقها".
ويستطيع رشيد بن مالك أن ينتقل إلى تعريب المصطلح بيسر كلما تواصل مع اللغة العربية وموروثاتها، لأن التعريب أفضل من الترجمة الحرفية، وهو عالم لغة معروف.
التسميات
أعلام